كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

4 - ذكر عبيد الله بن قيس الرقيات ونسبه وأخباره

صفحة 52 - الجزء 5

  لما ولي مروان بن الحكم المدينة ولَّى مصعب بن عبد الرحمن بن عوف شرطته؛ فقال: إني لا أضبط المدينة بحرس المدينة، فابغني رجالا من غيرها، فأعانه بمائتي رجل من أهل أيلة⁣(⁣١)، فضبطها ضبطا شديدا. فدخل المسور⁣(⁣٢) بن مخرمة على مروان فقال: أما ترى ما يشكوه الناس من مصعب! فقال:

  ليس بهذا من سياق عتب ... يمشي القطوف وينام الركب⁣(⁣٣)

  وقال غير مصعب في هذا الخبر وليس من رواية الحرميّ: إنه بقي إلى أن ولي عمرو⁣(⁣٤) بن سعيد المدينة وخرج الحسين رضي اللَّه تعالى عنه وعبد اللَّه بن الزبير؛ / فقال له عمرو: اهدم دور بني هاشم وآل الزبير؛ فقال: لا أفعل، فقال: انتفخ سحرك⁣(⁣٥) يا بن أمّ حريث! ألق سيفنا! فألقاه ولحق بابن الزبير. وولَّى عمرو بن سعيد شرطته عمرو بن الزبير بن العوّام وأمره بهدم دور بني هاشم وآل الزبير، ففعل وبلغ منهم كلّ مبلغ، وهدم دار ابن⁣(⁣٦) مطيع التي يقال لها العنقاء، وضرب محمد بن المنذر بن الزبير مائة سوط؛ ثم دعا بعروة بن الزبير ليضربه؛ فقال له محمد: أتضرب عروة! فقال: نعم يا سبلان⁣(⁣٧) إلا أن تحتمل ذلك عنه؛ فقال: أنا أحتمله، فضربه مائة سوط أخرى؛ ولحق عروة بأخيه. وضرب عمرو الناس ضربا شديدا، فهربوا منه إلى ابن الزبير، وكان المسور بن مخرمة أحد من هرب منه؛ ولما أفضى الأمر إلى ابن الزّبير أقاد منه وضربه بالسوط ضربا مبرّحا فمات فدفنه في غير مقابر المسلمين، وقال للناس، فيما ذكر عنه: إن عمرا مات مرتدّا عن الإسلام.

  هو شاعر قريش:

  أخبرني الحرميّ قال حدّثني الزّبير قال:

  سألت عمّي مصعبا ومحمد بن الضحّاك ومحمد بن حسن عن شاعر قريش في الإسلام، فكلَّهم قالوا: ابن قيس الرقيّات؛ وحكي ذلك عن عديّ وعن الضحاك بن عثمان؛ وحكاه محمد بن الحسن عن عثمان بن عبد الرحمن اليربوعيّ. قال الزبير: وحدّثني بمثله غمامة بن عمرو السّهميّ عن مسور بن عبد الملك اليربوعيّ.

  عرض شعره على طلحة الزهري فمدحه:

  أخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ والحرميّ بن أبي العلاء وغيرهما قالوا حدّثنا الزبير بن بكار قال حدّثنا عبد الرحمن بن عبد اللَّه الزّهريّ عن عمه محمد بن عبد العزيز:

  أنّ ابن قيس الرقيّات أتى إلى طلحة بن عبد اللَّه بن عوف الزهريّ فقال له:


(١) أيلة: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشأم، وقيل: هي في آخر الحجاز وأوّل الشأم.

(٢) هو المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري قتل في حصار مكة مع ابن الزبير. (انظر الطبري في حوادث سنة ٦٤ هـ).

(٣) السياق: السوق. والقطوف من الدواب: البطيء، والمراد وصف الرجل بحسن السياسة وأنه يبلغ الغاية من غير أن يعنف في السوق أي إنه يسوس الناس من غير أن يجهدهم.

(٤) هو عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق، ولاه يزيد بن معاوية إمرة المدينة سنة ٦٠ هـ. (انظر الطبري في حوادث السنة المذكورة).

(٥) انتفخ سحرك: كلمة تقال للجبان. والسحر: الرئة. (انظر الحاشية رقم ١ ج ٤ ص ١٨٧ من هذه الطبعة).

(٦) هو عبد اللَّه بن مطيع أخو بني عديّ بن كعب، ولي الكوفة لعبد اللَّه بن الزبير. (انظر الطبري في حوادث سنة ٦٠ هـ).

(٧) كذا في جميع الأصول، ولعلها لقب له أو محرفة عن سبلاني (بزيادة ياء مشدّدة). والسبلانيّ: الطويل السبلة (بالتحريك) وهي شعرات تكون في المنحر، وهي أيضا مقدم اللحية، وما على الشفة العليا من الشعر يجمع الشاربين، أو لعلها كلمة تهكمية لها مغزى خاص.