كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

4 - ذكر عبيد الله بن قيس الرقيات ونسبه وأخباره

صفحة 53 - الجزء 5

  يا عمّي، إني قد قلت شعرا فاسمعه فإنك ناصح لقومك، فإن كان جيّدا قلت، وإن كان رديئا كففت؛ فقال له: أنشد، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:

  منع اللهو والهوى ... وسرى الليل مصعب

  وسياط على أك ... فّ رجال تقلَّب

  / فقال: قل يا بن أخي فإنك شاعر.

  كان زبيري الهوى وخرج على عبد الملك ثم استجار بابن جعفر فعفا عنه:

  وكان عبيد اللَّه بن قيس الرقيّات زبيريّ الهوى، وخرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك؛ فلما قتل مصعب وقتل عبد اللَّه هرب فلجأ إلى عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب، فسأل عبد الملك في أمره فأمّنه.

  وأخبرنا محمد بن العبّاس اليزيديّ والحرميّ بن أبي العلاء وغيرهما قالوا حدّثنا الزّبيريّ⁣(⁣١) قال حدّثني عبد اللَّه بن البصير⁣(⁣٢) البربريّ مولى قيس بن عبد اللَّه بن الزبير عن أبيه قال:

  قال عبيد اللَّه بن قيس الرقيّات: خرجت مع مصعب بن الزبير حين بلغه شخوص عبد الملك بن مروان إليه، فلما نزل مصعب بن الزبير بمسكن⁣(⁣٣)، ورأى معالم الغدر / ممن معه، دعاني ودعا بمال ومناطق، فملأ المناطق من ذلك المال وألبسني منها، وقال لي: انطلق حيث شئت فإني مقتول؛ فقلت له: لا واللَّه لا أريم⁣(⁣٤) حتى أرى⁣(⁣٥) سبيلك؛ فأقمت معه حتى قتل؛ ثم مضيت إلى الكوفة، فأوّل بيت صرت إليه دخلته، فإذا فيه امرأة لها ابنتان كأنهما ظبيتان، فرقيت في درجة لها إلى مشربة⁣(⁣٦) فقعدت فيها، فأمرت لي المرأة بما أحتاج إليه من الطعام والشراب والفرش والماء للوضوء، فأقمت كذلك عندها أكثر من حول، تقيم لي ما يصلحني وتغدو عليّ في كل صباح فتسألني بالصّباح والحاجة⁣(⁣٧)، ولا تسألني من أنا ولا أسألها من هي، وأنا في ذلك أسمع الصّياح فيّ والجعل؛ فلما طال بي المقام وفقدت الصياح فيّ وغرضت⁣(⁣٨) بمكاني غدت عليّ تسألني بالصباح والحاجة، فعرّفتها أني قد غرضت وأحببت الشّخوص إلى أهلي؛ فقالت لي: نأتيك بما تحتاج إليه إن شاء اللَّه تعالى؛ فلمّا أمسيت وضرب الليل بأرواقه رقيت إليّ وقالت: إذا شئت! فنزلت وقد أعدّت راحلتين عليهما ما أحتاج إليه ومعهما⁣(⁣٩) عبد، وأعطت العبد نفقة الطريق، وقالت: العبد والراحلتان لك؛ فركبت وركب العبد معي حتى طرقت أهل مكة، فدققت منزلي؛ فقالوا لي: من هذا؟ فقلت: عبيد اللَّه بن قيس الرقيّات؛ فولولوا وبكوا، وقالوا: ما فارقنا طلبك إلا في هذا الوقت؛


(١) في م، ح: «الزبير» بدون ياء.

(٢) في ح: «عبد اللَّه بن النضير اليزيديّ» وسيرد في ص ٩٠ من هذا الجزء: «عبد اللَّه بن النضير» في كل الأصول.

(٣) مسكن: موضع قريب من أوانا على نهر دجيل عند دير الجاثليق، به كانت الوقعة بين عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير في سنة ٧٢ هـ وبه قتل مصعب، وقبره هناك معروف (عن «معجم البلدان» لياقوت ج ٤ ص ٥٢٩).

(٤) لا أريم: لا أبرح.

(٥) في ط، ء: «حتى آتي سبيلك».

(٦) المشربة: الغرفة والعلية.

(٧) يريد: كيف أصبحت وما حاجتك؟

(٨) غرض: ضجر.

(٩) في ب، س: «عليهما».