5 - ذكر مالك بن أبي السمح وأخباره ونسبه
  السّهميين؛ فلما تزوّج حسين عابدة(١) بنت شعيب السّهميّة خاصمهم بسببها؛ وكان جدّ مالك معه وعونا له مع من عاونه، فنشبت بذلك حال بينه وبين بني هاشم، حتى ولد مالك في دورهم، فصارت دعوته فيهم.
  أدرك الدولة العباسية وقدم على سليمان بن علي فأجازه:
  أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد: قرأت على أبي:
  وعمّر مالك حتى أدرك دولة بني العباس، وقدم على سليمان بن عليّ بالبصرة، فمتّ إليه بخؤولته في قريش، ودعوته لبني هاشم، وانقطاعه إلى ابن جعفر، فعجّل له سليمان صلته وكساه وكتب له بأوساق(٢) من تمر.
  ملازمته في أول أمره باب حمزة بن الزبير وأخذه الغناء عن معبد:
  أخبرني جعفر بن قدامة قال حدّثني ميمون بن هارون قال حدّثني القاسم بن يوسف قال أخبرني الوردانيّ قال:
  كان مالك بن أبي السّمح المغنّي من طيء، فأصابتهم حطمة(٣) في بلادهم بالجبلين، فقدمت به أمه وبإخوة له وأخوات أيتام لا شيء لهم؛ فكان يسأل الناس على باب / حمزة بن عبد اللَّه بن الزّبير، وكان معبد منقطعا إلى حمزة يكون عنده في كل يوم يغنّيه؛ فسمع مالك غناءه فأعجبه واشتهاه، فكان لا يفارق باب حمزة يسمع غناء معبد إلى الليل، فلا يطوف بالمدينة ولا يطلب من أحد شيئا ولا يريم موضعه، فينصرف إلى أمه ولم يكتسب شيئا، فتضربه، وهو مع ذلك يترنّم بألحان معبد ويؤدّيها دورا دورا في مواضع صيحاته وإسجاحاته ونبراته(٤) نغما بغير لفظ ولا رواية شيء من الشعر؛ وجعل حمزة كلَّما غدا وراح رآه ملازما لبابه؛ فقال لغلامه يوما: أدخل هذا الغلام الأعرابيّ إليّ؛ فأدخله؛ فقال له: من أنت؟ فقال: / أنا غلام من طيء أصابتنا حطمة بالجبلين فحطَّتنا إليكم ومعي أمّ لي وإخوة، وإني لزمت بابك فسمعت من دارك صوتا أعجبني، فلزمت بابك من أجله؛ قال: فهل تعرف منه شيئا؟
  قال: أعرف لحنه كلَّه ولا أعرف الشعر؛ فقال: إن كنت صادقا إنك(٥) لفهم. ودعا بمعبد فأمره أن يغنّي صوتا فغنّاه، ثم قال لمالك: هل تستطيع أن تقوله؟ قال نعم؛ قال: هاته؛ فاندفع فغنّاه فأدّى نغمه بغير شعر، يؤدّي مدّاته وليّاته وعطفاته ونبراته وتعليقاته لا يخرم حرفا؛ فقال لمعبد: خذ هذا الغلام إليك وخرّجه، فليكوننّ له شأن؛ قال معبد: ولم أفعل ذلك؟ قال: لتكون محاسنه منسوبة إليك، وإلَّا عدل إلى غيرك فكانت محاسنه منسوبة إليه؛ فقال:
  غير الذي أنت له مستحقّ من الباطل أكنت ترضى بذلك؟ قال لا؛ قال: وكذلك لا يسرّك أن تحمد بما لم تفعل؛ قال نعم؛ قال: فو اللَّه ما شبعت على / بابك شبعة قطَّ ولا انقلبت منه إلى أهلي بخير؛ فأمر له ولأمّه ولإخوته بمنزل، وأجرى لهم رزقا وكسوة، وأمر لهم بخادم يخدمهم وعبد يسقيهم الماء، وأجلس مالكا معه في مجالسه، وأمر معبدا
(١) كذا في ط، ء وفيما سيأتي في أكثر الأصول. وفي سائر الأصول هنا: «عائدة».
(٢) الأوساق: جمع وسق (بالفتح) وهو ثلاثمائة وعشرون رطلا عند أهل الحجاز وأربعمائة وثمانون رطلا عند أهل العراق على اختلافهم في مقدار الصاع والمدّ.
(٣) الحطمة: السنة والجدب. والمراد بالجبلين أجأ وسلمى لأنهما جبلا طيء (انظر «معجم ياقوت» في الكلام عليهما).
(٤) قال في «اللسان» (مادّة نبر): «ونبرة المغني: رفع صوته عن خفض».
(٥) لعله جواب لما قبله على تقدير القسم، أي على تقدير: لئن كنت ... إلخ، ولو كان جوابا للشرط من غير تقدير القسم لوجب اقترانه بفاء الجزاء.