كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

9 - شيء من ذكر أبي هرمة

صفحة 174 - الجزء 5

  وسمعناك تقول:

  وإذا تنوّر طارق⁣(⁣١) مستنبح ... نبحت فدلَّته عليّ كلابي

  وعوين يستعجلنه فلقينه ... يضربنه بشراشر⁣(⁣٢) الأذناب

  وسمعناك تقول:

  كم ناقة قد وجأت⁣(⁣٣) منحرها ... بمستهلّ الشّؤبوب أو جمل

  لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلَّا قريبة الأجل

  قال: فنظر إلينا طويلا ثم قال: ما على وجه الأرض عصابة أضعف عقولا ولا أسخف دينا منكم؛ فقلنا له:

  يا عدوّ اللَّه يا دعيّ، أتيناك زائرين [و]⁣(⁣٤) تسمعنا هذا الكلام؛ فقال: أما سمعتم اللَّه تعالى يقول للشّعراء: {وأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ} أفيخبركم اللَّه أنّي أقول ما لا أفعل وتريدون منّي أن أفعل ما أقول؛ [قال]⁣(⁣٤) فضحكنا منه وأخرجناه معنا، فأقام عندنا في نزهتنا يشركنا في زادنا حتى انصرفنا إلى المدينة.

  إعجاب الأصمعي به:

  أخبرنا عمّي قال حدّثني محمّد بن سعيد الكرانيّ عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعيّ عن عمّه قال:

  / الحكم الخضريّ، وابن ميّادة، ورؤبة، وابن هرمة، وطفيل الكنانيّ، ومكين العذريّ، كانوا على ساقة⁣(⁣٥) الشعراء، وتقدّمهم ابن هرمة بقوله:

  لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلَّا قريبة الأجل

  قال عبد الرحمن: وكان عمّي معجبا بهذا البيت مستحسنا له، وكان كثيرا ما يقول: أما ترون كيف قال! واللَّه لو قال هذا حاتم لما زاد ولكان كثيرا؛ ثم يقول: ما يؤخّره عن الفحول إلا قرب عهده. انتهى.

  تفضيل مروان بن أبي حفصة له:

  أخبرني محمد بن مزيد والحسين بن يحيى ووكيع عن حمّاد عن أبيه قال:

  قلت لمروان بن أبي⁣(⁣٦) حفصة: من أشعر المحدثين من طبقتكم عندك؟ لا أعنيك؛ قال: الذي يقول:

  لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل

  ناقض ابن الكوسج شعرا له فتهدّد مواليه إن لم يأتوه به مربوطا:

  أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ عن أبي حذافة قال:

  لمّا قال ابن هرمة:


(١) في ط، ء: «راكب».

(٢) شراشر الأذناب: أطرافها.

(٣) وجأه: ضربه بسكين ونحوه.

(٤) زيادة عن ط، ء.

(٥) الساقة: المؤخرة، يقال: فلان في ساقة الجيش أي في مؤخرته.

(٦) كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «مروان بن حفصة»، وهو تحريف.