9 - شيء من ذكر أبي هرمة
  وسمعناك تقول:
  وإذا تنوّر طارق(١) مستنبح ... نبحت فدلَّته عليّ كلابي
  وعوين يستعجلنه فلقينه ... يضربنه بشراشر(٢) الأذناب
  وسمعناك تقول:
  كم ناقة قد وجأت(٣) منحرها ... بمستهلّ الشّؤبوب أو جمل
  لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلَّا قريبة الأجل
  قال: فنظر إلينا طويلا ثم قال: ما على وجه الأرض عصابة أضعف عقولا ولا أسخف دينا منكم؛ فقلنا له:
  يا عدوّ اللَّه يا دعيّ، أتيناك زائرين [و](٤) تسمعنا هذا الكلام؛ فقال: أما سمعتم اللَّه تعالى يقول للشّعراء: {وأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ} أفيخبركم اللَّه أنّي أقول ما لا أفعل وتريدون منّي أن أفعل ما أقول؛ [قال](٤) فضحكنا منه وأخرجناه معنا، فأقام عندنا في نزهتنا يشركنا في زادنا حتى انصرفنا إلى المدينة.
  إعجاب الأصمعي به:
  أخبرنا عمّي قال حدّثني محمّد بن سعيد الكرانيّ عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعيّ عن عمّه قال:
  / الحكم الخضريّ، وابن ميّادة، ورؤبة، وابن هرمة، وطفيل الكنانيّ، ومكين العذريّ، كانوا على ساقة(٥) الشعراء، وتقدّمهم ابن هرمة بقوله:
  لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلَّا قريبة الأجل
  قال عبد الرحمن: وكان عمّي معجبا بهذا البيت مستحسنا له، وكان كثيرا ما يقول: أما ترون كيف قال! واللَّه لو قال هذا حاتم لما زاد ولكان كثيرا؛ ثم يقول: ما يؤخّره عن الفحول إلا قرب عهده. انتهى.
  تفضيل مروان بن أبي حفصة له:
  أخبرني محمد بن مزيد والحسين بن يحيى ووكيع عن حمّاد عن أبيه قال:
  قلت لمروان بن أبي(٦) حفصة: من أشعر المحدثين من طبقتكم عندك؟ لا أعنيك؛ قال: الذي يقول:
  لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل
  ناقض ابن الكوسج شعرا له فتهدّد مواليه إن لم يأتوه به مربوطا:
  أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ عن أبي حذافة قال:
  لمّا قال ابن هرمة:
(١) في ط، ء: «راكب».
(٢) شراشر الأذناب: أطرافها.
(٣) وجأه: ضربه بسكين ونحوه.
(٤) زيادة عن ط، ء.
(٥) الساقة: المؤخرة، يقال: فلان في ساقة الجيش أي في مؤخرته.
(٦) كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «مروان بن حفصة»، وهو تحريف.