كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

4 - أخبار أعشى همدان ونسبه

صفحة 325 - الجزء 6

  مدح النعمان بن بشير عامل حمص لوساطته له في عطاء:

  أخبرني محمد بن الحسن بن دريد الأزدي قال حدّثني عمّي عن العبّاس بن هشام عن أبيه، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن ابن الكلبي، وأخبرني عمّي عن الكرانيّ عن العمريّ عن الهيثم بن عديّ، وذكره العنزيّ عن أصحابه، قالوا جميعا:

  خرج أعشى همدان إلى الشأم في ولاية مروان بن الحكم، فلم ينل فيها حظَّا؛ فجاء إلى النعمان بن بشير وهو عامل على حمص، فشكا إليه حاله؛ فكلَّم له النعمان بن بشير اليمانية وقال لهم: هذا شاعر اليمن ولسانها، واستماحهم له؛ فقالوا: نعم، / يعطيه كلّ رجل منا دينارين من عطائه؛ فقال: لا، بل أعطوه دينارا دينارا واجعلوا ذلك معجّلَّا؛ فقالوا: أعطه إيّاه من بيت المال واحتسبها على كلّ رجل من عطائه؛ ففعل النّعمان - وكانوا عشرين ألفا - فأعطاه عشرين ألف دينار وارتجعها منهم عند العطاء. فقال الأعشى يمدح النعمان:

  ولم أر للحاجات عند التماسها ... كنعمان نعمان النّدى ابن بشير

  إذا قال أوفى ما يقول ولم يكن ... كمدل إلى الأقوام حبل غرور

  متى أكفر النعمان لم ألف شاكرا ... وما خير من لا يقتدي بشكور

  فلو لا أخو الأنصار كنت كنازل ... ثوى ما ثوى لم ينقلب بنقير⁣(⁣١)

  شعره في حرب نصيبين بين المهلب ويزيد بن أبي صخر:

  وقال الهيثم بن عديّ في خبره: حاصر المهلَّب بن أبي صفرة نصيبين، وفيها أبو قارب يزيد بن أبي صخر ومعه الخشبيّة⁣(⁣٢)؛ فقال المهلَّب: يا أيها الناس، لا يهولنّكم هؤلاء القوم فإنما هم العبيد بأيديها العصيّ. فحمل عليهم المهلَّب وأصحابه فلقوهم بالعصيّ فهزموهم حتى أزالوهم عن موقفهم. فدسّ المهلَّب رجلا من عبد القيس إلى يزيد بن أبي صخر ليغتاله، وجعل له على ذلك جعلا سنيّا - قال الهيثم: بلغني أنه أعطاه مائتي ألف درهم قبل أن يمضي ووعده بمثلها إذا عاد - فاندسّ له العبديّ فاغتاله فقتله وقتل بعده. فقال أعشى همدان في ذلك:

  يسمّون أصحاب العصيّ وما أرى ... مع القوم إلا المشرفيّة من عصا

  ألا أيّها اللَّيث الذي جاء حاذرا⁣(⁣٣) ... وألقى بنا جرمي⁣(⁣٤) الخيام وعرّصا

  / أتحسب غزو الشأم يوما وحربه ... كبيض ينظَّمن الجمان المفّصصا

  وسيرك بالأهواز إذ أنت آمن ... وشربك ألبان الخلايا⁣(⁣٥) المقرّصا

  فأقسمت لا تجبي لك الدهر درهما ... نصيبون حتّى تبتلى وتمحّصا


(١) النقير: النكتة في ظهر النواة.

(٢) الخشبية: أتباع المختار بن أبي عبيد.

(٣) حاذرا: متأهبا مستعدا.

(٤) كذا في ح. وفي ب، س:

«وألقى بنا جرم»

وفي أ، ء:

«وألقى بنا جرى»

والظاهر من السياق أنه اسم موضع. ولم نوفق في المظان التي بين أيدينا إلى وجه الصواب فيه.

(٥) الخلايا: الإبل المخلاة للحلب، الواحدة خلية. والمقرص: اللبن الذي يجعل في المقارص ليصير قارصا أي حامضا. والمقارص:

الأوعية التي يقرّص فيها اللبن.