4 - أخبار أعشى همدان ونسبه
  راجعي الوصل وردّي نظرة ... لا تلجّي(١) في طماح وأثام
  / وإذا أنكرت منّي شيمة ... ولقد ينكر(٢) ما ليس بذام
  فاذكريها لي أزل عنها ولا ... تسفحي عينيك بالدمع السّجام
  وأرى حبلك رثّا خلقا ... وحبالي جددا غير رمام(٣)
  عجبت جزلة منّي أن رأت ... لمّتي حفّت بشيب كالثّغام(٤)
  ورأت جسمي علاه كبرة ... وصروف الدهر قد أبلت عظامي
  وصليت الحرب حتى تركت ... جسدي نضوا كأشلاء اللَّجام(٥)
  وهي بيضاء على منكبها ... قطط جعد وميّال سخام(٦)
  وإذا تضحك تبدي حببا ... كرضاب المسك في الرّاح المدام
  كملت ما بين قرن فإلى ... موضع الخلخال منها والخدام(٧)
  فأراها اليوم لي قد أحدثت ... خلقا ليس على العهد القدام
  تمثل الشعبي بشعر له فخربه على البصريين في حضرة الأحنف:
  أخبرني عمّي قال حدّثنا محمد بن سعيد الكراني قال حدّثنا العمري عن الهيثم بن عديّ عن مجالد عن الشّعبيّ:
  أنه أتى البصرة أيام ابن الزبير، فجلس في المسجد إلى قوم من تميم فيهم الأحنف بن قيس فتذاكروا أهل الكوفة وأهل البصرة وفاخروا بينهم، إلى أن قال قائل من أهل البصرة: وهل أهل الكوفة إلا خولنا؟ استنقذناهم من عبيدهم! (يعني الخوارج). قال الشعبي: فهجس في صدري أن تمثّلت قول أعشى همدان:
  /
  أفخرتم أن قتلتم أعبدا ... وهزمتم مرّة آل عزل(٨)
  نحن سقناهم إليكم عنوة ... وجمعنا أمركم بعد فشل
  فإذا فاخرتمونا فاذكروا ... ما فعلنا بكم يوم الجمل
  / بين شيخ خاضب عثنونه ... وفتى أبيض وضّاح رفل(٩)
  جاءنا يرفل في سابغة ... فذبحناه ضحّى ذبح الحمل
  وعفونا فنسيتم عفونا ... وكفرتم نعمة اللَّه الأجلّ
(١) لا تلجى (من بابي ضرب وعلم): لا تتمادى. وفي الأصول: «لا تلحى» بالحاء المهملة.
(٢) كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «ولقد أنكرت».
(٣) حبل رمام: بال.
(٤) الثغام: نبت يكون في الجبل ينبت أخضر ثم يبيض إذا يبس فيشبه به الشيب.
(٥) النضو: المهزول. وأشلاء اللجام: حدائده بلا سيور.
(٦) القطط: الشعر القصير. والسخام: الشعر اللين الحسن. وفي هذا البيت إقواء، وهو اختلاف حركة الرويّ.
(٧) كذا في الأصول. والخدام: الخلاخيل، واحده خدمة (بالتحريك). وفي ب، س: «الحزام».
(٨) العزل: الاعتزال والتنحي. ويريد بآل عزل الخوارج لاعتزالهم جماعة المسلمين.
(٩) العثنون: اللحية أو ما فضل منها بعد العارضين. والرفل من الناس: الطويل الذيل.