6 - أخبار حماد الراوية ونسبه
  ما كان بينه وبين مروان بن أبي حفصة في حضرة الوليد:
  أخبرني يحيى بن عليّ المنجّم قال حدّثني أبي قال حدّثني إسحاق الموصليّ عن مروان بن أبي حفصة، وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أبو بكر العامريّ عن الأثرم(١) عن مروان بن أبي حفصة قال:
  دخلت أنا وطريح بن إسماعيل الثّقفي والحسين بن مطير الأسدي في جماعة من الشعراء على الوليد بن يزيد وهو في فرش قد غاب فيها، وإذا رجل عنده، كلَّما أنشد شاعر شعرا، وقف الوليد بن يزيد على بيت بيت من شعره وقال: هذا أخذه من موضع كذا وكذا، وهذا المعنى نقله من موضع كذا وكذا من شعر فلان، حتى أتى على أكثر الشعر؛ فقلت: من هذا؟ فقالوا: حمّاد الراوية. فلما وقفت بين يدي / الوليد أنشده قلت: ما كلام هذا في مجلس أمير المؤمنين وهو لحنة لحّانة؛ فأقبل الشيخ عليّ وقال: يا بن أخي، إني رجل أكلَّم العامة فأتكلم بكلامها، فهل تروي من أشعار العرب شيئا؟ فذهب عنّي الشعر كله إلا شعر ابن مقبل؛ فقلت له: نعم، شعر ابن مقبل؛ قال:
  أنشد، فأنشدته قوله:
  سل الدار من جنبي حبرّ فواهب ... إذا ما رأى هضب القليب المضيّح(٢)
  ثم جزت؛ فقال لي: قف فوقفت؛ فقال لي: ماذا يقول؟ فلم أدر ما يقول! فقال لي حماد: يا بن أخي، أنا أعلم الناس بكلام العرب. يقال: تراءى الموضعان إذا تقابلا.
  سأل الهيثم بن عديّ عن معنى شعر فعجز:
  حدّثني عمّي قال حدّثني الكراني عن العمري عن الهيثم بن عديّ قال:
  قلت لحماد الراوية يوما: ألق عليّ ما شئت من الشعر أفسّره لك؛ فضحك وقال لي: ما معنى قول ابن مزاحم(٣) الثّماليّ:
  تخوّف السير منها تامكا قردا ... كما تخوّف عود النّبعة السّفن(٤)؟
  / فلم أدر ما أقول؛ فقال: تخوّف: تنقّص. قال اللَّه ø: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ} أي على تنقّص.
  قال الهيثم: ما رأيت رجلا أعلم بكلام العرب من حمّاد.
(١) هو أبو الحسن علي بن المغيرة صاحب الأصمعي وأبي عبيدة، روى عن جماعة من العلماء وعن فصحاء العرب، وتوفي سنة ثلاثين ومائتين. (راجع «فهرست ابن النديم» ص ٥٦ طبع أوروبا).
(٢) كذا في «معجم ما استعجم». وحبر (بكسر أوّله وثانيه وبالراء المهملة المشدّدة): جبل لبني سليم وكذلك واهب. وهضب القليب:
ماء لبني قنفذ من بني سليم، وهناك فتلت بنو قنفذ المقصص العامري. والمضيح (بضم أوّله وفتح ثانيه وتشديد الياء المثناة المفتوحة بعدها حاء مهملة): ماء لبني البكاء.
وقد ورد هذا البيت في الأصول محرّفا هكذا:
سلى الدار من خنبيّ خبير فذاهب ... إذا ما رأى هضب القليب المصبح
(٣) كذا في «مختار الأغاني» وهامش «لسان العرب» (مادة سفن). وفي جميع الأصول: «مزاحم». وقد نسب هذا البيت لذي الرمة كما نسب لابن مقبل ولعبد اللَّه بن عجلان النهدي. (راجع «اللسان» و «الصحاح» مادتي سفن وخوف).
(٤) التامك: السنام. والقرد: المتلبد الصوف. والسفن: الحديدة التي تبرد بها القسيّ. ورواية هذا البيت في «الصحاح» (مادتي سفن وخوف):
تخوف الرحل منها ... .... ظهر النبعة السفن