كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

6 - أخبار حماد الراوية ونسبه

صفحة 343 - الجزء 6

  كيف أنت يا حماد وكيف حالك؟ فقلت بخير يا أمير المؤمنين؛ قال: أتدري فيم بعثت إليك؟ قلت: لا؛ قال: بعثت إليك لبيت خطر ببالي لم أدر من قاله؛ قلت: وما هو؟ فقال:

  فدعوا بالصّبوح يوما فجاءت ... قينة في يمينها إبريق

  قلت: هذا يقوله عديّ بن زيد في قصيدة له؛ قال: فأنشدنيها، فأنشدته:

  بكر العاذلون في وضح الصب ... ح يقولون لي ألا تستفيق

  ويلومون فيك يابنة عبد اللَّا ... هـ والقلب عندكم موهوق⁣(⁣١)

  لست أدري إذ أكثروا العذل عندي ... أعدوّ يلومني أو صديق

  زانها حسنها وفرع عميم ... وأثيث صلت الجبين أنيق⁣(⁣٢)

  وثنايا مفلَّجات عذاب ... لا قصار ترى ولا هنّ روق⁣(⁣٣)

  فدعوا بالصّبوح يوما فجاءت ... قينة في يمينها إبريق

  / قدّمته على عقار كعين ال ... ديك صفّى سلافها الرّاووق⁣(⁣٤)

  مرّة قبل مزجها فإذا ما ... مزجت لذّ طعمها من يذوق

  وطفت فوقها فقاقيع كالد ... رّ صغار يثيرها التّصفيق

  ثم كان المزاج ماء سماء ... غير ما آجن ولا مطروق

  قال: فطرب، ثم قال: أحسنت واللَّه يا حمّاد، يا جارية اسقيه، فسقتني شربة ذهبت بثلث عقلي. وقال: أعد، فأعدت، فاستخفه الطرب حتى نزل عن فرشه، ثم قال للجارية الأخرى: اسقيه، فسقتني شربة ذهبت بثلث عقلي.

  فقلت: إن سقتني الثالثة افتضحت، فقال: سل حوائجك، فقلت: كائنة ما كانت؟ قال: نعم؛ قلت: إحدى الجاريتين؛ فقال لي: هما جميعا لك بما عليهما وما لهما، ثم قال للأولى: اسقيه، فسقتني شربة سقطت معها، فلم أعقل حتى أصبحت فإذا بالجاريتين عند رأسي، وإذا عدّة من الخدم مع كل واحد منهم بدرة، فقال لي أحدهم:

  أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك: خذ هذه فانتفع بها، فأخذتها والجاريتين وانصرفت. هذا لفظ حمّاد عن أبيه. ولم يقل أحمد بن عبيد في خبره أنه سقاه شيئا، ولكنّه ذكر أنه طرب لإنشاده، ووهب له الجاريتين لمّا طلب إحداهما، وأنزله في دار، ثم نقله من غد إلى منزل أعدّه له، فانتقل إليه فوجد فيه الجاريتين وما لهما وكلّ ما يحتاج إليه، وأنه أقام عنده مدّة فوصل إليه مائة ألف درهم، وهذا هو الصحيح؛ لأن هشاما لم يكن يشرب ولا يسقي أحد بحضرته مسكرا، وكان ينكر ذلك ويعيبه ويعاقب عليه.

  / في أبيات عديّ المذكورة في هذا الخبر غناء، نسبته:


(١) الموهوق: المشدود بالوهق، وهو الحبل المغار يرمى فيه أنشوطة فتؤخذ فيه الدابة والإنسان.

(٢) الفرع: الشعر. والأثيث: الكثير، يطلق على الشعر وعلى البدن الممتلئ اللحم، وهو المراد هنا. والصلت: الواضح.

(٣) روق: طوال.

(٤) الراووق: المصفاة وناجود الشراب الذي يروق فيه. والناجود: الوعاء.