كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

6 - أخبار حماد الراوية ونسبه

صفحة 345 - الجزء 6

  أتنسى⁣(⁣١) إذ تودّعنا سليمى ... بفرع بشامة، سقي البشام⁣(⁣٢)

  فغنّى. ثم قال: غنني:

  جلا أميّة عنّا كلّ مظلمة ... سهل الحجاب وأوفى بالذي وعدا

  / فغنّاه. ثم قال: اسقني يا غلام بزبّ فرعون، فأتاه بقدح معوجّ فيه طول فسقاه به عشرين قدحا. ثم أتاه الحاجب فقال: أصلح اللَّه أمير المؤمنين، الرجل الذي طلبت بالباب؛ فقال: أدخله، فدخل غلام شابّ لم أر أحسن منه وجها⁣(⁣٣) في رجله فدع⁣(⁣٤)، فقال: يا سبرة اسقه كأسا، فسقاه، ثم قال له: غنني:

  وهي إذ ذاك عليها مئزر ... ولها بيت جوار من لعب

  فغنّاه، فنبذ إليه أحد ثوبيه، ثم قال: غنني:

  طرق الخيال فمرحبا ... ألفا برؤية زينبا

  فغضب معبد وقال: يا أمير المؤمنين، إنا مقبلون إليك بأقدارنا وأسناننا، وإنك تتركنا بمزجر الكلب وأقبلت على هذا الصبي؛ فقال: واللَّه يا أبا عبّاد ما جهلت قدرك ولا سنّك، / ولكن هذا الغلام طرحني على مثل الطَّياجن⁣(⁣٥) من حرارة غنائه. فسألت عن الغلام؟ فإذا هو ابن عائشة.

  كان في حانة فطلبه المنصور فجاءه وأنشده من شعر هفان بن همام:

  حدّثني الحسن بن محمد المادرانيّ الكاتب قال حدّثني الرياشيّ عن العتبيّ، وأخبرني به هاشم بن محمد عن الرياشي - وليس خبره بتمام هذا - قال:

  طلب المنصور حمّادا الراوية، فطلب ببغداد فلم يوجد، وسئل عنه إخوانه فعرّفوا من سألهم عنه أنه بالبصرة، فوجّهوا إليه برسول يشخصه. قال الرسول: فوجدته في حانة وهو عريان يشرب نبيذا من إجّانة⁣(⁣٦) وعلى سوأته رأس دستجة⁣(⁣٧)، فقلت: أجب أمير المؤمنين. فما رأيت رسالة أرفع ولا حالة أوضع من / تلك. فأجاب، فأشخصته إليه. فلما مثل بين يديه، قال له: أنشدني شعر هفّان بن همّام بن نضلة يرثي أباه؛ فأنشده:

  خليلّ عوجا إنها حاجة لنا ... على قبر همّام سقته الرواعد

  على قبر من يرجى نداه ويبتغى ... جداه إذا لم يحمد الأرض رائد


(١) ورد صدر هذا البيت في «اللسان» مادة «بشم» هكذا:

أتذكر يوم تصقل عارضيها

وصدر هذا البيت في التهذيب:

أتذكر إذ تودعنا سليمى

(٢) البشام: شجر طيب الريح والطعم يستاك به. يعني بالبيت أنها أشارت بسواكها فكان ذلك وداعها ولم تتكلم خيفة الرقباء.

(٣) في ب، س: «لم أر ... وجها من رجل في رجله ... إلخ» ولا يستقيم الكلام بهذه الزيادة.

(٤) الفدع: عوج وميل في المفاصل كلها خلقة أو داء.

(٥) كذا في أكثر الأصول. والطياجن: الطوابق يقلي عليها. وفي ب، س: «الطناجير» وهو تحريف.

(٦) الإجانة: آنية تغسل فيها الثياب.

(٧) كذا في أ، ء. والدستجة «: الإناء الكبير من الزجاج معرب:» دستة «وفي ح، م:» دسيتجة «(بالتصغير). وفي ب، س:» دستيجة «ولعلها محرفة عما في ح، م.