6 - أخبار حماد الراوية ونسبه
  كريم النّثا(١) حلو الشمائل بينه ... وبين المزجّى نفنف متباعد(٢)
  إذا نازع القوم الأحاديث لم يكن ... عيّيا ولا ثقلا على من يقاعد
  صبور على العلَّات يصبح بطنه ... خميصا وآتيه على الزاد حامد
  وضعنا الفتى كلّ الفتى في حفيرة ... بحرّين(٣) قد راحت عليه العوائد
  صريعا كنصل السيف تضرب حوله ... ترائبهنّ المعولات الفواقد(٤)
  قال: فبكى أبو جعفر حتى أخضل لحيته، ثم قال: هكذا كان أخي أبو العباس ¥.
  ذكره ابن إياس لابن الكردية فطلبه واستنشده فأنشده شعرا أغضبه فضربه:
  أخبرني الحسين(٥) بن يحيى المرداسيّ قال حدّثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال:
  كان جعفر بن أبي جعفر المنصور المعروف بابن الكرديّة يستخفّ مطيع بن إياس ويحبه، وكان منقطعا إليه وله معه منزلة حسنة، فذكر له حمادا الراوية، / وكان صديقه، وكان مطَّرحا مجفوّا في أيامهم، فقال: ائتنا به لنراه.
  فأتى مطيع حمّادا فأخبره بذلك وأمره بالمسير معه إليه؛ فقال له حماد: دعني فإن دولتي كانت مع بني أمية ومالي عند هؤلاء خير، فأبى مطيع إلَّا الذهاب إليه، فاستعار حماد سوادا وسيفا ثم أتاه، ثم مضى به مطيع إلى جعفر. فلما دخل عليه سلَّم عليه سلاما حسنا وأثنى عليه وذكر فضله؛ فردّ عليه وأمره بالجلوس فجلس. فقال جعفر: أنشدني؛ فقال: لمن أيها الأمير؟ الشاعر بعينه أم لمن حضر؟ قال: بل أنشدني لجرير. قال حمّاد: فسلخ واللَّه شعر جرير كلَّه من قلبي إلا قوله:
  بان الخليط برامتين(٦) فودّعوا ... أو كلَّما اعتزموا(٧) لبين تجزع
  فاندفعت فأنشدته إياه، حتى انتهيت إلى قوله:
  وتقول بوزع قد دببت على العصا ... هلَّا هزئت بغيرنا يا بوزع
  قال حماد: فقال لي جعفر: أعد هذا البيت، فأعدته؛ فقال: بوزع، أيّ شيء هو؟ فقلت: اسم امرأة؛ فقال:
  امرأة اسمها بوزع! هو بريء من اللَّه ورسوله ونفيّ من العباس بن عبد المطلب إن كانت بوزع إلا غولا من الغيلان! تركتني واللَّه يا هذا لا أنام الليلة من فزع بوزع؛ / يا غلمان! قفاه؛ فصفعت واللَّه حتى لم أدر أين أنا؛ ثم قال: جرّوا
(١) النثا (بالتحريك والقصر): ما أخبرت به عن الرجل من حسن أو سئ. وفي الأصول: «الثنا».
(٢) المزجى: الضعيف. وسمى مزجى لتأخره وحاجتهم إلى تزجيته واستحثاثه فيما يعن. والنفنف: المهواة بين الجبلين.
(٣) كذا في ب، س. وحرين (بالضم ثم الكسر والتشديد وآخره نون): بلد قرب آمد. وفي سائر الأصول: «بجوءين» ولم نجد بلدا بهذا الاسم في المظان التي بين أيدينا.
(٤) الترائب: عظام الصدر، واحدها تريبة. والفواقد: من فقدن أزواجهن أو أولادهن.
(٥) في جميع الأصول هنا: «الحسين» ويلاحظ أن هذا الاسم ورد مضطربا فيما مر من الكتاب بين: «الحسن» و «الحسين» ولم نوفق إلى مرجع نرجح به إحدى الروايتين.
(٦) رامتين: تثنية رامة، وكثير من أسماء المواضع يأتي في الشعر مفردا ومثنى ومجموعا فحسب الضرورة الشعرية. ورامة: منزل بينه وبين الرمادة ليلة في طريق البصرة إلى مكة ومنه إلى إمرة. وهي آخر بلاد بني تميم، وبين رامة وبين البصرة اثنتا عشرة مرحلة، وقيل هي هضبة أو جبل لبني دارم.
(٧) في «النقائض» (ص ٩٦١ طبع أوروبا): «رفعوا». ورفع القوم: أصعدوا في البلاد.