6 - أخبار حماد الراوية ونسبه
  كان لصا ثم تاب وطلب الأدب والشعر:
  وقال ابن النطَّاح:
  كان حمّاد الراوية في أوّل أمره يتشطَّر ويصحب الصعاليك واللصوص، فنقب ليلة على رجل فأخذ ماله وكان فيه جزء من شعر الأنصار، فقرأه حماد فاستحلاه وتحفّظه، ثم طلب الأدب والشعر وأيام الناس ولغات العرب بعد ذلك، وترك ما كان عليه فبلغ في العلم ما بلغ.
  استنشده المهدي أحسن أبيات في السكر ثم أجازه:
  حدّثنا محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثني عمّي الفضل عن أبيه عن جدّه عن حمّاد الراوية قال:
  دخلت على المهديّ فقال: أنشدني أحسن أبيات قيلت في السّكر، ولك عشرة آلاف درهم وخلعتان(١) من كسوة الشتاء والصيف؛ فأنشدته قول الأخطل(٢):
  /
  ترى الزّجاج ولم يطمث(٣) يطيف به ... كأنه من دم الأجواف مختضب
  حتى إذا افتضّ ماء المزن عذرتها ... راح الزجاج وفي ألوانه صهب
  / تنزو إذا شجّها بالماء مازجها ... نزو الجنادب في رمضاء تلتهب(٤)
  راحوا وهم يحسبون الأرض في فلك ... إن صرّعوا وقت الراحات والرّكب
  فقال لي: أحسنت وأمر لي بما شرطه ووعدني به فأخذته.
  مدح بلال بن أبي بردة فأنكر ذو الرمة أنه شعره:
  حدّثني اليزيديّ قال حدّثني عمي عبيد اللَّه قال حدّثني سليمان بن أبي شيخ قال حدّثني صالح بن سليمان قال:
  قدم حمّاد الراوية على بلال بن أبي بردة البصرة، وعند بلال ذو الرّمّة، فأنشده حماد شعرا مدحه به؛ فقال بلال لذي الرّمّة: كيف ترى هذا الشعر؟ قال: جيّدا وليس له؛ قال: فمن يقوله؟ قال: لا أدري إلا أنه لم يقله؛ فلما قضى بلال حوائج حماد وأجازه، قال له: إن لي إليك حاجة؛ قال: هي مقضية؛ قال: أنت قلت ذلك الشعر؟ قال:
  لا؛ قال: فمن يقوله؟ قال: بعض شعراء الجاهلية، وهو شعر قديم وما يرويه غيري؛ قال: فمن أين علم ذو الرمة أنه ليس من قولك؟ قال: عرف كلام أهل الجاهلية من كلام أهل الإسلام.
معناه أنها تستبشر بالقتلى إذا أكلتهم فيهر بعضها على بعض فجعل هريرها ضحكا، وقيل أراد أنها تسرّبهم فجعل السرور ضحكا لأن الضحك إنما يكون منه. اه ببعض تصرف.
(١) كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «وخلعتان وكسوة ... إلخ».
(٢) لم نجد هذه الأبيات بين شعر الأخطل المجموع في دواوينه الثلاثة التي نشر الأوّل منها المرحوم الدكتور أو جينوس غرّفيني الميلاني.
الإيطالي مدير مكتبة جلالة ملك مصر سابقا (وهو محفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم ٢٠٢٣ أدب) ونشر الثاني والثالث منها الأب أنطون صالحاني اليسوعي (وهما محفوظان بدار الكتب المصرية تحت رقمي: ٣٩٣٧، ١١٠٢ أدب). وجميعها طبع بيروت.
(٣) الطمث: المس. قال تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ ولا جَانٌّ}. يريد أنه لم يفرّع ولم يمسسه إنسان.
(٤) تنزو: تثب وذلك إذا مزجت. وشجها: مزجها. والجنادب: ضرب من الجراد. والرمضاء: الأرض الحارة الحامية من شدّة حر الشمس.