6 - أخبار حماد الراوية ونسبه
  أنشد بلالا شعرا في مدح أبي موسى نسبه للحطيئة:
  قال صالح:
  وأنشد حمّاد الراوية بلال بن أبي بردة ذات يوم قصيدة قالها ونحلها الحطيئة يمدح أبا موسى الأشعري يقول فيها:
  /
  جمعت(١) من عامر فيها ومن جشم ... ومن تميم ومن حاء ومن حام
  مستحقبات رواياها جحافلها ... يسمو بها أشعريّ طرفه سامي
  فقال له بلال: قد علمت أن هذا شيء قلته أنت ونسبته إلى الحطيئة، وإلا فهل كان يجوز أن يمدح الحطيئة أبا موسى بشيء لا أعرفه أنا ولا أرويه! ولكن دعها تذهب في الناس وسيّرها حتى تشتهر، ووصله.
  يرى المفضل الضبي أنه أفسد شعر العرب بتخليطه ونحله شعره للقدماء:
  أخبرني محمد بن خلف وكيع قال سمعت أحمد بن الحارث الخرّاز يقول سمعت ابن الأعرابي يقول سمعت المفضّل الضّبيّ يقول:
  قد سلَّط على الشعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح أبدا. فقيل له: وكيف ذلك؟ أيخطئ في روايته أم يلحن؟ قال: ليته كان كذلك، فإن أهل العلم يردّون من أخطأ إلى الصواب، لا ولكنه رجل عالم بلغات العرب وأشعارها، ومذاهب الشعراء ومعانيهم، فلا يزال يقول الشعر يشبه به مذهب رجل ويدخله في شعره، ويحمل ذلك عنه في الآفاق، فتختلط أشعار القدماء ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد، وأين ذلك!.
  اجتمع مع المفضل الضبي عند المهدي فأجازه لجودة شعره وأبطل روايته:
  أخبرني رضوان بن أحمد الصّيدلانيّ قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي قال حدّثني السّعيدي الراوية وأبو إياد المؤدّب - وكان مؤدّبي ثم أدّب المعتصم بعد ذلك وقد تعالت سنّه - وحدّثني بنحو من ذلك عبد اللَّه بن مالك وسعيد بن سلم(٢) وحدّثني به ابن غزالة أيضا واتفقوا عليه:
  / أنهم كانوا في دار أمير المؤمنين المهدي(٣) بعيسا باذ، وقد اجتمع فيها عدّة من الرواة والعلماء بأيام العرب وآدابها وأشعارها ولغاتها، إذ خرج بعض أصحاب الحاجب، فدعا بالمفضّل الضّبّي الراوية فدخل، فمكث مليّا ثم خرج إلينا ومعه حمّاد والمفضّل جميعا وقد بان في وجه حماد الانكسار والغم، وفي وجه المفضّل السرور والنشاط، ثم خرج حسين الخادم معهما(٤)، فقال يا معشر من حضر من أهل العلم: إن أمير المؤمنين يعلمكم أنه قد وصل حمادا الشاعر بعشرين ألف درهم لجودة شعره وأبطل روايته لزيادته في أشعار / الناس ما ليس منها، ووصل المفضّل بخمسين ألفا لصدقه وصحة روايته، فمن أراد أن يسمع شعرا جيدا محدثا فليسمع من حماد، ومن
(١) تقدّم شرح هذين البيتين في الجزء الثاني من هذه الطبعة (في الحواشي ٤، ٥، ٦ ص ١٧٥ والحواشي ١، ٢، ٣ ص ١٧٦).
(٢) كذا في ح. ولعله سعيد بن سلم الباهلي أبو عمرو وقد كان معاصرا لعبد اللَّه بن مالك الخزاعي. وفي ب، س: «سعيد بن مسلم».
وفي سائر الأصول: «سعيد بن سليم».
(٣) عيسا باذ: أي عمارة عيسى، لأن كلمة «باذ» فارسية معناها عمارة، وهذه محلة كانت شرقي بغداد ومنسوبة إلى عيسى بن المهدي وكانت إقطاعا له. وبها مات موسى بن المهدي بن الهادي. وبها بنى المهدي قصره الذي سماه قصر السلام.
(٤) كذا في جميع الأصول. ولعل هذه الكلمة مقحمة أو محرّفة عن «بعدهما».