كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

7 - أخبار عبادل ونسبه

صفحة 370 - الجزء 6

  عبد العزيز بعث في الفداء. وقال عمر بن شبّة: إن إسماعيل حدّث قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز فأتاه البريد الذي جاء من القسطنطينية فحدّثه قال: بينا أنا أجول في القسطنطينية إذ سمعت رجلا يغنّي بلسان فصيح وصوت شج:

  فكم من حرّة بين المنقّى ... إلى أحد إلى جنبات ريم

  فسمعت غناء لم أسمع قطَّ أحسن منه. فلما سمعت الغناء وحسنه، لم أدر أهو كذلك حسن، أم لغربته وغربة العربيّة في ذلك الموضع. فدنوت من الصوت، فلما قربت منه إذا هو في غرفة، فنزلت عن بغلتي فأوثقتها ثم صعدت إليه فقمت على باب الغرفة، فإذا رجل مستلق على قفاه يغنّي هذين البيتين⁣(⁣١) لا يزيد عليهما وهو واضع إحدى رجليه على الأخرى، فإذا فرغ بكى فيبكي ما شاء اللَّه ثم يعيد الغناء. ففعل ذلك مرارا؛ فقلت:

  السلام عليكم؛ فوثب وردّ السلام؛ فقلت: أبشر فقد فكّ اللَّه أسرك، أنا بريد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز إلى هذا الطاغية في فداء / الأسارى. ثم سألته: من أنت؟ فقال: أنا الوابصيّ، أخذت فعذّبت حتى دخلت في دينهم؛ فقلت له: أنت واللَّه أحبّ من أفتديه إلى أمير المؤمنين وإليّ إن لم تكن دخلت في الكفر؛ فقال: قد واللَّه دخلت فيه؛ فقلت: أنشدك اللَّه إلَّا أسلمت؛ فقال: أأسلم وهذان ابناي وقد تزوجت امرأة منهم وهذان ابناها، وإذا دخلت المدينة قيل لي يا نصرانيّ وقيل مثل ذلك لولديّ وأمهما! لا واللَّه لا أفعل. فقلت له: قد كنت قارئا للقرآن فما بقي معك منه؟ قال: لا شيء إلا هذه الآية {رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ}. قال: فعاودته وقلت له: إنك لا تعيّر بهذا؛ فقال: وكيف بعبادة الصليب وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير؟ فقلت: سبحان اللَّه! أما تقرأ: {إِلَّا مَنْ أُكْرِه َ وقَلْبُه ُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمانِ} فجعل يعيد عليّ قوله: فكيف بما فعلت! ولم يجبني إلى الرجوع. قال: فرفع عمر يده وقال: اللهم لا تمتني حتى تمكنني منه. قال: فو اللَّه ما زلت راجيا لإجابة دعوة عمر فيه. قال جويرية في حديثه:

  وقد رأيت أخا الوابصيّ بالمدينة.

  لقبه رجل بصري فأخبره أن سبب تنصره عشقه لامرأة منهم:

  وقال يعقوب بن السّكَّيت في هذا الخبر. أخبرني ابن الأزرق عن رجل من أهل البصرة أنسيت اسمه قال:

  نزلنا في ظلّ حصن من الحصون التي للروم، فإذا أنا بقائل يقول من فوق الحصن:

  فكم بين الأقارع فالمنقّى ... إلى أحد إلى ميقات ريم

  إلى الزّوراء⁣(⁣٢) من ثغر نقيّ ... عوارضه ومن دلّ رخيم

  ومن عين مكحّلة الأماقي ... بلا كحل ومن كشح هضيم

  / وهو ينشد بلسان فصيح ويبكي، فناديته: أيها المنشد، فأشرف فتّى كأحسن الناس. فقلت: من الرجل وما قصتك؟ فقال: أنا رجل من الغزاة من العرب نزلت مكانك هذا، فأشرفت / عليّ جارية كأحسن الناس فعشقتها فكلَّمتها؛ فقالت: إن دخلت في ديني لم أخالفك؛ فغلب عليّ الشيطان فدخلت في دينها، فأنا كما ترى. فقلت:


(١) يلاحظ أن الذي تقدم بيت واحد.

(٢) الزوراء: اسم يطلق على أكثر من موضع. والظاهر أنه يريد بها هنا موضعا عند سوق المدينة يطلق عليه هذا الاسم لقرب هذا الموضع من المواضع المذكورة في البيت السابق.