15 - أخبار يحيى المكي ونسبه
  إسحاق فسأله الرشيد: لمن هذا اللحن؟ فقال له إسحاق: لغناديس(١) المديني. فأقبل الرشيد على يحيى فقال له:
  أكنت لقيت غناديس المديني؟ قال: نعم، لقيته وأخذت عنه صوتين؛ ثم غنّى صوتا وقال: هذا أحدهما. فلما خرج يحيى حلف إسحاق بالطلاق ثلاثا وعتق جواريه: أن اللَّه ما خلق أحدا اسمه غناديس، ولا سمع في المغنين ولا غيرهم، وأنه وضع ذلك الاسم في وقته ذلك لينكشف أمره.
  علم إسحاق صوتا غناه للرشيد فأهدى إليه تخت ثياب وخاتم:
  حدّثني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني محمد بن أحمد بن يحيى المكَّي المرتجل قال:
  غنى جدّي يوما بين يدي الرشيد:
  صوت
  هل هيّجتك مغاني الحيّ والدّور ... فاشتقت إن الغريب الدار معذور(٢)
  وهل يحلّ بنا إذ عيشنا أنق(٣) ... بيض أوانس أمثال الدّمى حور
  / - والصنعة له خفيف ثقيل - فسار(٤) إليه إسحاق وسأله أن يعيده إياه؛ فقال: نعم، حبّا وكرامة / لك يا بن أخي، ولو غيرك يروم ذلك لبعد عليه؛ وأعاده حتى أخذه إسحاق. فلما انصرف بعث إلى جدّي بتخت(٥) ثياب وخاتم ياقوت نفيس.
  دس له إبراهيم بن المهدي من أخذ عنه صوتا بثمن غال:
  حدّثني جحظة قال حدّثني القاسم بن زرزور عن أبيه عن مولاه عليّ(٦) بن المارقيّ قال:
  قال لي إبراهيم بن المهديّ: ويلك يا مارقيّ! إن يحيى المكيّ غنّى البارحة بحضرة أمير المؤمنين صوتا فيه ذكر زينب، وقد كان النبيذ أخذ مني فأنسيت شعره، واستعدته إياه فلم يعده، فاحتل لي عليه حتى تأخذه لي منه ولك عليّ سبق(٧). فقال لي المارقيّ - وأنا يومئذ غلامه - اذهب إليه فقل له إني أسأله أن يكون اليوم عندي؛ فمضيت إليه فجئته به. فلما تغدّرا وضع النبيذ؛ فقال له المارقي: إني كنت سمعتك تغنّي صوتا فيه زينب وأنا أحب أن آخذه منك - وكان يحيى يوفّي هذا الشأن حقّه من الاستقصاء، فلا يخرج عنه إلا بحذر، ولا يدع الطلب والمسألة، ولا يلقي صوتا إلا بعوض. قال لي جحظة في هذا الفصل: هذا - فديتك - فعل يحيى مع ما أفاده من المال، ومع كرم من عاشره وخدمه من الخلفاء مثل الرشيد والبرامكة وسائر الناس، لا يلام ولا يعاب، ونحن مع
(١) في ح: «لعتاديس المدني».
(٢) كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «مغرور».
(٣) أنق الشيء (من باب علم): راع حسنه.
(٤) كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «فصار».
(٥) التخت: وعاء تصان فيه الثياب.
(٦) كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «عن مولاه عن ابن المارقي قال»، وهو تحريف، لأن المارقي هو مولى زرزور كما يشعر بذلك سياق الحديث هنا وكما مر في الجزء الرابع من هذه الطبعة (ص ٩٣).
(٧) السبق (بالتحريك): الخطر يوضع في السباق من سبق أخذه.