كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

15 - أخبار يحيى المكي ونسبه

صفحة 413 - الجزء 6

  لا واللَّه ما هو هذا، ولقد خدعك، فعاود الاحتيال عليه. ففعل مثل ذلك بيحيى؛ فقال له يحيى وهو يضحك: أما ظفرت بزينبك بعد؟ فقال: لا واللَّه يا أبا عثمان، وما أشكّ في أنك تعتمدني بالمنع مما أريده، وقد أخذت كل⁣(⁣١) شيء عندي معابثة. فضحك يحيى وقال: قد استحييت منك الآن، وأنا ناصحك على شريطة؛ قال: نعم، لك الشريطة؛ قال: لا تلمني في أن أعابثك لأنك أخذت في معابثتي، والمطلوب إليه أقدر من الطالب، فلا تعاود / أن تحتال عليّ فإنك تظفر منّي بما تريد، إنما دسّك إبراهيم بن المهديّ عليّ لتأخذ مني صوتا غنّيته، فسألني إعادته فمنعته بخلا عليه لأنه لا يلحقني منه خير ولا بركة، ويريد أن يأخذ غنائي باطلا، وطمع بموضعك أن تأخذ الصوت بلا ثمن ولا حمد؛ لا واللَّه إلا بأوفر ثمن وبعد اعترافك، وإلا فلا تطمع في الصوت. فقال له: أمّا إذ فطنت فالأمر واللَّه على ما قلت، فتغنّيه الآن بعينه على شرط أنه إن كان هو هو وإلا فعليك إعادته، ولو غنّيتني كلّ شيء تعرفه لم أحتسب لك إلا به؛ قال: اشتره. فتساوما طويلا وماكسه⁣(⁣٢) حتى بلغ الصوت ألف درهم، فدفعها إليه؛ وألقى عليه:

  صوت

  طرقتك زينب والمزار بعيد ... بمنى ونحن معرّسون هجود

  فكأنما طرقت بريّا روضة ... أنف تسحسح مزنها وتجود

  - لحنه خفيف ثقيل. قال: وهو صوت كثير العمل، حلو النّغم، محكم الصّنعة، صحيح القسمة، حسن المقاطع - فأخذه وبكَّر إلى إبراهيم بن المهديّ، فقال له: قد أفقرني هذا الصوت وأعراني، وأبلاني بوجه يحيى المكي وشحّه وطلبه وشرهه، وحدّثه بالقصّة؛ فضحك إبراهيم. وغنّاه إياه، فقال: هذا أبيك هو بعينه. فألقاه عليه حتى أخذه، وأخلف عليه كلّ شيء أخذه يحيى منه وزاده خمسة آلاف درهم، وحمله على برذون أشهب فاره بسرجه ولجامه. فقال له: يا سيّدي؛ فغلامك زرزور المسكين قد تردّد عليه حتى ظلع⁣(⁣٣)، هب له شيئا، فأمر له بألف درهم.

  غنى للأمين لحنا أراد المغنون أخذه عنه فأبى:

  حدّثني جحظة قال حدّثني هبة اللَّه بن إبراهيم بن المهديّ قال حدّثتني ريّق وشارية / جميعا قالتا:

  كان مولانا - تعنيان أبي - في مجلس محمد الأمين يوما والمغنّون حضور، فغنّى يحيى المكي - واللحن له خفيف ثقيل -:

  صوت

  خليل لي أهيم به ... فما كافا⁣(⁣٤) ولا شكرا

  بلى يدعى له باسمي ... إذا ما ريع أو عثرا


(١) كذا في أ، ء، م. وفي سائر الأصول: «وقد أخذت في كل ... إلخ». والظاهر أن «في» مقحمة.

(٢) في الأصول: «وماكسه أبي حتى بلغ ... إلخ». وراوي القصة هو زرزور غلام المارقي لا ابنه. فلعل كلمة «أبي» مقحمة من النساخ. وماكسه في البيع: شاحه واستحطه الثمن واستنقصه إياه.

(٣) ظلع: عرج وغمز في مشيه.

(٤) كافا مسهل كافأ.