كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

16 - أخبار النميري ونسبه

صفحة 423 - الجزء 6

  يا أمير المؤمنين، إنّ غلاما منّا قال في ابنتي زينب ما لا يزال الرجل يقول مثله في بنت عمّه، وإن هذا (يعني ابنه الحجّاج) لم يزل يتتوّق إليه ويهمّ به، وأنت الآن تبعثه إلى ما هناك، وما آمنه عليه. فدعا بالحجّاج فقال له: إن محمدا النّميريّ جاري ولا سلطان لك عليه، فلا تعرض له.

  قال إسحاق فحدّثني يعقوب بن داود الثّقفي قال: قال لي مسلم بن جندب الهذليّ:

  كنت مع النّميريّ وقد قتل الحجاج عبد اللَّه بن الزبير وجلس يدعو الناس للبيعة، فتأخّر النميريّ حتى كان في آخرهم، فدعا به ثم قال له: إنّ مكانك لم يخف عليّ، ادن فبايع. ثم قال له: أنشدني ما قلت في زينب؛ قال: ما قلت إلا خيرا؛ قال: لتنشدنّي. فأنشده قوله:

  /

  تضوّع مسكا بطن نعمان إذ مشت ... به زينب في نسوة عطرات

  / أعان الذي فوق السماوات عرشه ... مواشي بالبطحاء مؤتجرات

  يخمّرن أطراف الأكفّ من التّقى ... ويخرجن جنح الليل معتجرات

  فما ذكرت أيها الأمير إلا كرما وخيرا وطيبا. قال: فأنشد كلمتك كلَّها فأنت آمن؛ فأنشده حتى بلغ إلى قوله:

  ولمّا رأت ركب النّميريّ راعها ... وكنّ من أن يلقينه حذرات

  فقال له: وما كان ركبك؟ قال: واللَّه ما كان إلا أربعة أحمرة تحمل القطران. فضحك الحجّاج وأمره بالانصراف ولم يعرض له.

  تهدده الحجاج فهرب وقال شعرا:

  أخبرني عمّي قال حدّثنا الكرانيّ عن الخليل بن أسد عن العمريّ عن عطاء عن عاصم بن الحدثان قال:

  كان ابن نمير الثّقفيّ يشبّب بزينب بنت يوسف بن الحكم؛ فكان الحجّاج يتهدّده ويقول: لولا أن يقول قائل صدق لقطعت لسانه. فهرب إلى اليمن ثم ركب بحر⁣(⁣١) عدن، وقال في هربه:

  أتتني عن الحجّاج والبحر بيننا ... عقارب تسري والعيون هواجع

  فضقت بها ذرعا وأجهشت خيفة ... ولم آمن الحجّاج والأمر فاظع

  وحلّ بي الخطب الذي جاءني به ... سميع فليست تستقرّ الأضالع

  فبتّ أدير الأمر والرأي ليلتي ... وقد أخضلت خدّي الدموع التوابع⁣(⁣٢)

  ولم أر خيرا لي من الصبر إنه ... أعفّ وخير إذ عرتني الفواجع

  / وما أمنت نفسي الذي خفت شرّه ... ولا طاب لي مما خشيت المضاجع

  إلى أن بدا لي رأس إسبيل⁣(⁣٣) طالعا ... وإسبيل حصن لم تنله الأصابع


(١) هو بحر القلزم، ويسمى في كل موضع يمرّ به باسم ذلك الموضع، فإذا قابله بطن اليمن يسمى بحر عدن إلى أن يجاوز عدن ثم يسمى بحر الزنج، وهو بحر مظلم أسود لا يرى مما فيه شيء. وبقرب عدن معدن اللؤلؤ يرفع ما يخرج منه إلى عدن.

(٢) في «معجم البلدان» (ج ١ ص ٢٤٠ طبع أوروبا): «الدوافع».

(٣) كذا في أ، ء، م و «تجريد الأغاني» و «معجم البلدان». وإسبيل: جبل في مخلاف ذمار، وهو منقسم بنصفين نصف إلى مخلاف رداع