16 - أخبار النميري ونسبه
  فلي عن ثقيف إن هممت بنجوة ... مهامه تهوي(١) بينهنّ الهجارع(٢)
  وفي الأرض ذات العرض عنك ابن يوسف ... إذا شئت منأى لا أبا لك واسع
  فإن نلتني حجّاج فاشتف جاهدا ... فإنّ الذي لا يحفظ اللَّه ضائع
  فطلبه الحجّاج فلم يقدر عليه. وطال على النّميريّ مقامه هاربا واشتاق إلى وطنه، فجاء حتى وقف على رأس الحجّاج؛ فقال له: إيه يا نميريّ! أنت القائل:
  فإن نلتني حجّاج فاشتف جاهدا
  فقال: بل أنا الذي أقول:
  أخاف من الحجّاج ما لست خائفا ... من الأسد العرباض(٣) لم يثنه ذعر
  أخاف يديه أن تنالا مقاتلي ... بأبيض عضب ليس من دونه ستر
  وأنما الذي أقول:
  فهأنذا طوّفت شرقا ومغربا ... وأبت وقد دوّخت(٤) كلّ مكان
  / فلو كانت العنقاء منك تطير بي ... لخلتك إلا أن تصدّ تراني(٥)
  قال: فتبسّم الحجاج وأمّنه، وقال له: لا تعاود ما تعلم؛ وخلَّى سبيله.
  زواج زينب أخت الحجاج وتولية كريّها شرطة البصرة:
  رجع الخبر إلى رواية حماد بن إسحاق.
  قال حمّاد فحدّثني أبي قال ذكر المدائنيّ وغيره:
  أنّ الحجّاج عرض على زينب أن يزّوجها / محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل - وهو ابن سبع عشرة سنة، وهو يومئذ أشرف ثقفيّ في زمانه - أو الحكم ابن أيوب بن الحكم بن أبي عقيل، وهو شيخ كبير، فاختارت الحكم، فزوّجها إياه، فأخرجها إلى الشام. وكان محمد بن رياط كريّها، وهو يومئذ يكري. فلما ولي
ونصف إلى مخلاف عنس. وبين إسبيل وذمار أكمة سوداء، بها جمة (بئر) تسمى «حمام سليمان» والناس يستشفون به من الأوصاب والجرب وغير ذلك. وفي سائر الأصول: «إسبيك» بالكاف، وهو تحريف.
(١) في أ، ء، م و «معجم البلدان»: «تعمى». والعمى هنا كناية عن الضلال.
(٢) الهجارع: جمع هجرع (كدرهم وجعفر) وهو الخفيف من الكلاب السلوقية.
(٣) العرباض: الأسد الثقيل العظيم.
(٤) دوّخ فلان البلاد: سار فيها حتى عرفها ولم تخف عليه طرقها.
(٥) هذان البيتان رواهما المبرد في «الكامل» ببعض تغيير وهما:
هاك يدي ضاقت بي الأرض رحبها ... وإن كنت قد طوّفت كل مكان
ولو كنت بالعنقاء أو بيسومها ... لخلتك إلا أن تصدّ تراني
وقد نسبهما المؤلف أيضا للعديل بن الفرخ في ترجمته (ج ٢٠ ص ١٨ طبع بولاق). وذكر أن الحجاج جدّ في طلبه حتى ضاقت به الأرض، فأتى واسطا وتنكر وأخذ بيده رقعة ودخل إليه مع أصحاب المظالم، فلما وقف بين يديه أنشأ يقول:
هأنذا ضاقت بي الأرض كلها ... إليك وقد جولت كل مكان
فلو كنت في ثهلان أو شعبتي أجا ... لخلتك إلا أن تصدّ تراني