كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

16 - أخبار النميري ونسبه

صفحة 425 - الجزء 6

  الحجاج العراق استعمل الحكم بن أيوب على البصرة، فكلمته زينب في محمد بن رياط فولَّاه شرطته بالبصرة.

  فكتب إليه الحجاج: إنك ولَّيت أعرابيّا جافيا شرطتك، وقد أجزنا ذلك لكلام من سألك فيه. قال: ثم أنكر الحكم بعض تعجرفه فعزله. ثم استعمل الحجّاج الحكم بن سعد العذريّ على البصرة وعزل الحكم بن أيّوب عنها واستقدمه لبعض الأمر، ثم ردّه بعد ذلك إلى البصرة، وجهّزه من ماله. فلمّا قدم البصرة هيّأت له زينب طعاما وخرجت متنزّهة إلى بعض البساتين ومعها نسوة. / فقيل لها: إنّ فيهن امرأة لم ير أحسن ساقا منها. فقالت لها زينب: أريني ساقك؛ فقالت: لا، إلا بخلوة؛ فقالت: ذاك لك، فكشفته لها، فأعطتها ثلاثين دينارا وقالت: اتّخذي منها خلخالا. قال: وكان الحجاج وجّه بزينب مع حرمه إلى الشام لمّا خرج ابن الأشعث خوفا عليهنّ. فلما قتل ابن الأشعث كتب إلى عبد الملك بن مروان بالفتح، وكتب مع الرسول كتابا إلى زينب يخبرها الخبر، فأعطاها الكتاب، وهي راكبة على بغلة في هودج، فنشرته تقرؤه، وسمعت البغلة قعقعة الكتاب فنفرت، وسقطت زينب عنها فاندقّ عضداها وتهرّأ⁣(⁣١) جوفها فماتت. وعاد إليه الرسول، الذي نفذ بالفتح، بوفاة زينب. فقال النميريّ يرثيها:

  ماتت زينب فرثاها:

  صوت

  لزينب طيف تعتريني طوارقه ... هدوءا إذا⁣(⁣٢) النجم ارجحنّت⁣(⁣٣) لواحقه

  سيبكيك مرنان⁣(⁣٤) العشيّ يجيبه⁣(⁣٥) ... لطيف بنان الكفّ درم⁣(⁣٦) مرافقه

  إذا ما بساط اللهو مدّ وألقيت⁣(⁣٧) ... للذّاته أنماطه ونمارقه⁣(⁣٨)

  غنّاه معبد، ولحنه ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق. وما بقي من شعره⁣(⁣٩) من الأغاني في نسيب النميريّ لم نذكر طريقته وصانعه لنذكر أخباره معه.

  صوت

  غنى ابن سريج من شعره لعبد اللَّه بن جعفر فنحر راحلته وشق جلته:

  تضوّع مسكا بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة خفرات

  مررن بفخّ رائحات عشية ... يلبيّن للرحمن معتمرات


(١) كذا في أكثر الأصول. وتهرأ اللحم (بالهمز): طبخ حتى يتفسخ ويسقط عن العظم. وفي ب، س: «تهرى». ولم يحكها من أهل اللغة غير ابن دريد عن أبي مالك.

(٢) في ب، س: «إذ».

(٣) ارجحن النجم: مال نحو المغرب.

(٤) مرنان العشيّ: كنى به عن الصنج ذي الأوتار وهو من آلات الطرب. والرنين: الصوت الشجى.

(٥) كذا في «تجريد الأغاني». وفي جميع الأصول: «نجيبه».

(٦) درم: جمع أدرم وهو من لا حجم لعظامه.

(٧) في «الكامل»: «وقربت».

(٨) نسب المبرد في «الكامل» (ص ٧٠٨ طبع أوروبا) هذا البيت لنصيب.

(٩) ظاهر أن السياق يكون واضحا لو حذفت كلمة «من شعره» أو كلمة «في نسيب النميري». فلعل إحداهما من زيادات النساخ.