16 - أخبار النميري ونسبه
  قال: فكانوا يرون أن هذا الشعر لسعيد بن المسيّب.
  مر على عائشة بنت طلحة فاستنشدته شعره في زينب:
  أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللَّه أخي الأصمعيّ عن عبد اللَّه بن عمران الهرويّ، وأخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني المغيرة بن محمد المهلَّبيّ قال حدّثني محمد بن عبد الوهاب عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه عن عبد اللَّه بن عمران الهرويّ قال:
  لمّا تأيّمت عائشة(١) بنت طلحة كانت تقيم بمكة سنة وبالمدينة سنة، وتخرج إلى مال لها عظيم بالطائف وقصر كان لها هناك فتتنزّه فيه، وتجلس بالعشيّات، فيتناضل / بين يديها الرّماة. فمرّ بها النّميريّ الشاعر؛ فسألت عنه فنسب لها، فقالت: ائتوني به، فأتوها به. فقالت له: أنشدني مما قلت في زينب؛ فامتنع عليها وقل: تلك ابنة عمّي وقد صارت عظاما بالية. قالت: أقسمت عليك باللَّه إلا فعلت؛ فأنشدها قوله:
  تضوّع مسكا بطن نعمان أن مشت
  الأبيات. فقالت: واللَّه ما قلت إلا جميلا، ولا ذكرت إلا كرما وطيبا، ولا وصفت إلا دينا وتقى، أعطوه ألف درهم. فلما كانت الجمعة الأخرى تعرّض لها؛ فقالت: عليّ به، فأحضر. فقالت له: أنشدني من شعرك في زينب؛ فقال لها: أو أنشدك من شعر الحارث بن خالد(٢) فيك؟ فوثب مواليها إليه؛ فقالت: دعوه فإنه أراد أن يستقيد(٣) لبنت عمّه، هات مما قال الحارث فيّ؛ فأنشدها:
  ظعن الأمير بأحسن الخلق ... وغدوا بلبّك مطلع الشّرق
  فقالت: واللَّه ما ذكر إلا جميلا، ذكر أني إذا صبّحت زوجا بوجهي غدا بكواكب الطَّلق(٤)، وأني غدوت مع أمير تزوّجني إلى الشرق، وأني أحسن الخلق في البيت ذي الحسب الرفيع؛ أعطوه ألف درهم واكسوه حلَّتين، ولا تعد لإتياننا بعد هذا يا نميريّ.
  غنى إبراهيم الموصلي للرشيد من شعره وكان غاضبا عليه فرضي عنه:
  أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعي(٥) قال حدّثنا عمر بن شبّة عن إسحاق، وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه:
  / أنّ الرشيد غضب على إبراهيم أبيه بالرقّة فحبسه مدّة، ثم اصطبح يوما، فبينا هو على حاله إذ تذكَّره،
(١) تأيمت المرأة: مات عنها زوجها ولم تتزوّج. وقد كانت عائشة عند عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان أبا عذرتها (أول من تزوجها) ثم هلك فتزوجها بعده مصعب بن الزبير فقتل عنها، ثم تزوجها عمر بن عبد اللَّه بن معمر فمات عنها. ولم تتزوج بعده.
(٢) هو الحارث بن خالد بن العاص المخزومي، وقد مرت ترجمته في الجزء الثالث من هذه الطبعة (ص ٣١١ - ٣٤٣).
(٣) أي يأخذ بثأرها.
(٤) تشير إلى بيت قاله فيها الحارث من هذه القصيدة وهو:
ما صبحت أحدا برؤيتها ... إلا غدا بكواكب الطلق
أي أن من تصبحه برؤيتها يرى الزمان صافيا طيبا سعيدا تفاؤلا بطلعتها واستبشارا. يقال يوم طلق أي مشرق لا برد فيه ولا حر ولا شيء يؤذي.
(٥) في جميع الأصول هنا: «الشعبي» وهو تحريف.