كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

17 - أخبار وضاح اليمن ونسبه

صفحة 432 - الجزء 6

  رأسه وأعجبه جماله وقال له: اذهب فأنت وضّاح اليمن، لا من أتباع ذي يزن⁣(⁣١) (يعني الفرس الذين قدم بهم ابن ذي يزن لنصرته) فعلقت به هذه الكلمة منذ يومئذ، فلقّب وضّاح اليمن. قال خالد: وكانت أمّ داذ ابن أبي جمد جدّة وضاح كنديّة؛ فذلك حيث يقول في بنات عمه:

  إن قلبي معلَّق بنساء ... واضحات الخدود لسن بهجن

  من بنات الكريم داذ وفي كن ... دة ينسبن من أباة اللَّعن

  / وقال أيضا يفتخر بجدّه أبي جمد:

  بنى لي إسماعيل مجدا مؤثّلا ... وعبد كلال بعده وأبو جمد

  أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثني عمّي عن العبّاس بن هشام عن أبيه قال:

  كان وضّاح اليمن والمقنّع الكنديّ وأبو زبيد الطائي يردون مواسم العرب مقنّعين يسترون وجوههم خوفا من العين وحذرا على أنفسهم من النساء لجمالهم. قال خالد بن كلثوم: فحدّثت بهذا الحديث مرّة وأبو عبيدة معمر بن المثنّى حاضر ذلك، وكان يزعم أن وضّاحا من الأبناء؛ فقال أبو عبيدة: داذ اسم فارسي. فقلت له: عبد كلال اسم يمان، وأبو جمد كنية يمانية، والعجم لا تكتنى، وفي اليمن جماعة قد تسمّوا بأبرهة، وهو اسم حبشيّ، فينبغي أن تنسبهم إلى الحبشة. وأيّ شيء يكون إذا سمّي عربيّ باسم فارسيّ! وليس كلّ من كنى أبا بكر هو الصدّيق، ولا من سمّي عمرا هو الفاروق، وإنما الأسماء علامات ودلالات لا توجب نسبا ولا تدفعه. قال: فوجم أبو عبيدة وأفحم فما أجاب.

  وممن زعم أنه من أبناء الفرس ابن الكلبيّ ومحمد بن زياد الكلابيّ.

  وقال خالد بن كلثوم: إنّ أمّ إسماعيل أبي الوضّاح بنت ذي جدن، وأم أبيه بنت فرعان ذي⁣(⁣٢) الدّروع الكنديّ من بني الحارث بن عمرو.


(١) هو سيف بن ذي يزن الذي بقتله دخلت اليمن في ملك الأحباش. وكان سيف هذا جميل المنظر عالي الهمة قوي السلطان شديد البأس كريم الخلق جوادا حسن التدبير والسياسة. وكان قد ترك بلاد اليمن بعد موت أبيه وتوجه لقيصر الروم واستنجده في ردّ ملك والده فلم يجبه قيصر لطلبه، فقصد كسرى أنو شروان ملك العجم لهذا الغرض فأجابه إلى طلبه وأرسل معه جيشا تحت قيادة «وهرز» فأخرجهم من المين وردّ إليه ملكه. فتربع سيف على ملك أجداده تحت رعاية الأعجام، واتخذ مقر أعماله قصر غمدان بمدينة صنعاء التي كانت في ذلك العهد عاصمة ملكه. وقد هنأته وفود العرب والشعراء لاسترداد ملك أبيه وتغلبه على الأحباش.

وكان من جملة وفود المهنئين وفد الحجازيين الذي كان يرأسه عبد المطلب جدّ النبيّ فاستأذنوا عليه ودخلوا وهو في قصره (غمدان) فأذن لهم فدخلوا عليه وهو متضمخ بالمسك وعليه بردان والتاج على رأسه والسيف بين يديه وملوك اليمن وأقيال حمير حواليه، وأمامه أمية بن الصلت الثقفي ينشده قصيدته يمدحه فيها ويهنئه؛ ومطلعها:

لا يطلب الثأر إلا كابن ذي يزن ... في البحر خيم للأعداء أحوالا

ثم استأذنه عبد المطلب في الكلام وألقى بين يديه خطبة نالت منه استحسانا. ثم أمر بهم إلى دار الضيافة وأجرى عليهم ما يحتاجون شهرا لا يؤذن لهم في مقابلته ولا في الانصراف. والقصيدة والخطبة ذكرهما المؤلف في الجزء السادس عشر من هذا الكتاب (ص ٧٥ - ٧٧ طبع بولاق).

(٢) كذا في أ، ء، م هنا و «شرح القاموس» (مادة فرع) وما يعول عليه في المضاف والمضاف إليه. وفي سائر الأصول وفيما سيأتي في أ، ء، م: «فرعان بن ذي الدروع» وهو تحريف.