كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

20 - ذكر أبي ذؤيب وخبره ونسبه

صفحة 479 - الجزء 6

  فأقصر⁣(⁣١) ولم تأخذك منّي سحابة ... ينفّر شاء المقلعين خريرها

  - المقلعين: الذين أصابهم القلع وهو السحاب -.

  ولا تسبقنّ الناس منّي بخمطة⁣(⁣٢) ... من السمّ مذرور عليها ذرورها

  / أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا السّكن بن سعيد قال حدّثنا العبّاس بن هشام قال حدّثني أبو عمرو عبد اللَّه بن الحارث الهذليّ من أهل المدينة قال:

  خرج أبو ذؤيب مع ابنه وابن أخ له يقال له أبو عبيد⁣(⁣٣)، حتى قدموا على عمر بن الخطَّاب ¥.

  فقال⁣(⁣٤) له: أيّ العمل أفضل يا أمير المؤمنين؟ قال: الإيمان / باللَّه ورسوله. قال: قد فعلت، فأيّه أفضل بعده؟

  قال: الجهاد في سبيل اللَّه. قال: ذلك كان عليّ وإني لا أرجو جنة ولا أخاف نارا. ثم خرج فغزا أرض الروم مع المسلمين. فلما قفلوا أخذه⁣(⁣٥) الموت؛ فأراد ابنه وابن أخيه أن يتخلَّفا عليه جميعا؛ فمنعهما صاحب الساقة⁣(⁣٦) وقال: ليتخلَّف عليه أحدكما وليعلم أنه مقتول. فقال لهما أبو ذؤيب. اقترعا، فطارت القرعة لأبي عبيد، فتخلَّف عليه ومضى ابنه مع الناس. فكان أبو عبيد يحدّث قال قال لي أبو ذؤيب: يا أبا عبيد، احفر ذلك الجرف برمحك ثم اعضد⁣(⁣٧) من الشجر بسيفك ثم اجررني إلى هذا النهر فإنك لا تفرغ حتى أفرغ، فاغسلني وكفنّي ثم اجعلني في حفيري وانثل⁣(⁣٨) عليّ الجرف برمحك، وألق عليّ الغصون والشجر، ثم اتبع الناس فإن لهم رهجة⁣(⁣٩) تراها في الأفق إذا مشيت كأنها جهامة⁣(⁣١٠). قال: فما أخطأ مما قال شيئا، ولولا نعته لم أهتد لأثر الجيش. وقال وهو يجود بنفسه:

  أبا عبيد رفع الكتاب ... واقترب الموعد والحساب

  وعند رحلي جمل نجاب ... أحمر في حاركه⁣(⁣١١) انصباب

  ثم مضيت حتى لحقت الناس. فكان يقال: إنّ أهل الإسلام أبعدوا الأثر في بلد الروم، فما كان وراء قبر أبي ذؤيب قبر يعرف لأحد من المسلمين.


(١) أي كف ولم تأخذك مني سحابة منطق وهجاء كأنه مطر ينفر شاء الناس. ورواه الأصمعيّ: «فإياك لا تأخذك ...». (راجع شرح ديوانه).

(٢) كذا في شرح ديوانه و «لسان العرب» (مادة خمط). والخمطة: الطرية التي أخذت طعما ولم تستحكم، أو هي التي أخذت ريح الإدراك كريح التفاح ولم تدرك بعد. والمراد هنا اللوم والكلام القبيح. ومعنى البيت أنه ينهاه عن التعرض لشتمه وهجائه. وفي الأصول: «منك بحكمة» وهو تحريف.

(٣) في جميع الأصول هنا: «أبو عقيل» وهو تحريف.

(٤) في جميع الأصول: «فقالوا». والتصحيح عن الأستاذ الشنقيطي في هامش نسخته؛ فإن ما في الأصول لا يلائم سياق الخبر.

(٥) مر في أوّل ترجمة أبي ذؤيب ما يخالف ما هنا. (راجع ما كتبه في صفحة ٢٦٦ في الحاشية رقم ٢).

(٦) ساقة الجيش: مؤخرته.

(٧) كذا في «تجريد الأغاني». وعضد الشجر يعضده (بالكسر): قطعه. وفي جميع الأصول: «اعمد» وهو تحريف.

(٨) نثل الركية ينثلها (من باب ضرب): أخرج ترابها. وهذا المعنى غير مستقيم في هذا المقام. فلعل صوابه «وأهلي على الجرف ...

إلخ. وأهال عليه التراب: دفعه فانهال.

(٩) الرهجة: ما أثير من الغبار.

(١٠) الجهامة: السحابة لا ماء فيها.

(١١) الحارك: أعلى الكاهل.