كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

21 - ذكر حكم الوادي وخبره ونسبه

صفحة 484 - الجزء 6

  يراه؛ ثم خرج عشيّا وقد حمله على بغلة له يعرفها المنصور، وخلع عليه ثيابا يعرفها له. فلما رآه المنصور قال: من هذا؟ فقيل: حكم الواديّ. فحرّك رأسه مليّا ثم قال: الآن علمت أن هذا يستحقّ ما يعطاه. قيل: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين وأنت تنكر ما يبلغك منه؟ قال: لأنّ فلانا لا يعطي شيئا من ماله باطلا ولا يضعه إلا في حقه.

  اعترض المهدي في الطريق وغناه فأجازه:

  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن أبي سعد⁣(⁣١) قال حدّثنا قعنب بن المحرز الباهليّ عن الأصمعيّ قال:

  رأيت حكما الواديّ حين مضى المهديّ إلى بيت المقدس⁣(⁣٢)، وقد عارضه في الطريق وأخرج دفّه ونقر فيه وله شعيرات على رأسه وقال: أنا واللَّه يا أمير المؤمنين القائل:

  ومتى تخرج العرو ... س فقد طال حبسها

  فتسرّع إليه الحرس؛ فقال: دعوه⁣(⁣٣)، وسأل عنه فأخبر أنه حكم الواديّ؛ فوصله وأحسن إليه.

  لحن حكم في هذا الشعر المذكور هزج بالبنصر. وفيه ألحان لغيره، وقد ذكرت في أخبار الوليد بن يزيد.

  أطرب الهادي دون غيره من المغنين فأعطاه ثلاث بدر:

  أخبرني الحسن قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثنا عليّ بن محمد النّوفلي عن صالح⁣(⁣٤) الأضجم عن حكم الواديّ قال:

  كان الهادي يشتهي من الغناء ما توسّط وقلّ ترجيعه ولم يبلغ أن يستخفّ جدّا؛ فأخرج ليلة ثلاث بدر وقال:

  من أطربني فهي له. فغنّاه ابن جامع وإبراهيم الموصليّ والزّبير بن دحمان فلم يصنعوا شيئا، وعرفت ما أراد فغنّيته لابن سريج:

  صوت

  غرّاء كالليلة المباركة ال ... قمراء تهدى أوائل الظَّلم

  أكني بغير اسمها وقد علم ال ... لَّه خفيّات كلّ مكتتم

  / كأن فاها إذا تنسّم⁣(⁣٥) عن ... طيب مشمّ وحسن مبتسم

  يسنّ⁣(⁣٦) بالضّرو⁣(⁣٧) من براقش أو ... هيلان⁣(⁣٨) أو يانع من العتم⁣(⁣٩)


(١) في جميع الأصول هنا: «سعيد» وهو تحريف.

(٢) سيأتي هذا الخبر في ترجمة الوليد بن يزيد (ج ٧ ص ٣١ من هذه الطبعة). وقد ورد فيه أن المهدي كان يريد الحج.

(٣) كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «دعوه دعوه».

(٤) هو صالح بن علي بن عطية الأضجم الراوي.

(٥) كذا في أ، ء ونسخة الشنقيطي مصححة بقلمه. وفي سائر الأصول: «تبسم».

(٦) كذا في الجزء الخامس من «الأغاني» (ص ٢٧ من هذه الطبعة). ويسن (بالبناء للمجهول): يسوّك. وفي الأصول هنا: «يستن».

(٧) الضرو: شجرة الكمكام، وهو شجر طيب الريح يستاك به ويجعل ورقه في العطر، وهو المحلب. قال أبو حنيفة الدينوري: أكثر منابت الضرو باليمن وهو من شجر الجبال كالبلوط العظيم له عناقيد كعناقيد البطم غير أنه أكبر حبا، ويطبخ ورقه فإذا نضج صفى ورد ماؤه إلى النار فيعقد، يتداوى به من خشونة الصدر ووجع الحلق. (راجع «شرح القاموس» مادة ضري).

(٨) براقش: واد باليمن شجير وكذلك هيلان. وأكثر نبات الضر وباليمن. وقيل: براقش وهيلان مدينتان عاديتان خربتا. ويسكن براقش بنو الأوبر من بلحارث بن كعب ومراد. وسميت براقش باسم كلبة وهي التي قيل فيها: «على أهلها تجني براقش». (راجع «معجم ما استعجم» و «معجم البلدان» في اسم براقش، و «شرح القاموس» و «اللسان» مادة برقش).

(٩) العتم: شجر الزيتون. وفي ب، س: «العنم» (بالنون) وهو تصحيف.