كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

22 - ذكر ابن جامع وخبره ونسبه

صفحة 491 - الجزء 6

  ذهبنا إلى هؤلاء فسمعنا غناءهم! فأتيناهم، فإذا ابن جامع وأصحاب له يغنّون وعندهم فضيخ⁣(⁣١) لهم يشربون منه؛ فقالوا: تقدّموا يا فتيان، فتقدّم ابن أبي عمرو فجلس مع القوم وكان رأسهم، فجلسنا نشرب؛ وطرب ابن أبي قباحة فغنّى. فقال ابن جامع: وابأبي وأمي! ابن أبي قباحة وإلا فهو ابن الفاعلة. فقام ابن أبي عمرو فأخرج من وسطه هميانا⁣(⁣٢) فيه ثلاثمائة درهم فنثرها على ابن أبي قباحة. فقال ابن جامع: امضوا بنا إلى المنزل، فمضينا فأقمنا عنده شهرا ما نبرح ونحن على إحرامنا ذلك.

  غنت جاريته الحولاء صوتا له في جارية سوداء يحبها:

  قال هارون بن / محمد بن عبد الملك حدّثني عليّ بن سليمان عن محمد بن أحمد النّوفليّ عن جارية ابن جامع الحولاء قال: - وكانت تتبنّاني - فتغنّت يوما وطربت وقالت: يا بنيّ، ألا أغنّيك هزجا لسيّدي في عشيقة له سوداء؟ قلت: بلى. فتغنّت هزجا ما سمعت أحسن منه، وهو:

  صوت

  أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في لونه قاعده

  لا شكّ إذ لو نكما واحد ... أنّكما من طينة واحده

  / وقد روي هذا الشعر لأبي حفص⁣(⁣٣) الشّطرنجيّ يقوله في دنانير⁣(⁣٤) مولاة البرامكة. ونسب هذا الهزج إلى إبراهيم وابن جامع وغيرهما.

  شبهه برصوما الزامر بزق عسل:

  قال عبد اللَّه بن عمرو حدّثنا أحمد بن عمر بن إسماعيل الزّهريّ قال حدّثني محمد بن جعفر بن عمر بن عليّ بن أبي طالب # - وكان يلقّب الأبله - قال: قال برصوما الزّامر، وذكر إبراهيم الموصليّ وابن جامع، فقال:

  الموصليّ بستان تجد فيه الحلو والحامض وطريّا لم ينضج، فتأكل منه من ذا وذا. وابن جامع زقّ عسل، إن فتحت فمه خرج عسل حلو، وإن خرقت جنبه خرج عسل حلو، وإن فتحت يده خرج عسل حلو، كلَّه جيّد.

  غنى عند الرشيد وهو سكران فأخطأ:

  أخبرنا يحيى بن عليّ عن أبيه وحمّاد عن إبراهيم⁣(⁣٥) بن المهديّ - وكان إبراهيم يفضّل ابن جامع ولا يقدّم عليه أحدا، وابن جامع يميل إليه - قال:

  كنّا في مجلس الرشيد وقد غلب على ابن جامع النبيذ، فغنّى صوتا فأخطأ في أقسامه؛ فالتفت إليّ إبراهيم


(١) الفضيخ: عصير العنب، وشراب يتخذ من بسر مفضوخ (مطبوخ).

(٢) الهميان (بالكسر): كيس تجعل فيه النفقة ويشدّ على الوسط.

(٣) هو أبو حفص عمر بن عبد العزيز مولى بني العباس. وكان أبوه من موالي المنصور فيما يقال، وكان اسمه اسما أعجميا، فلما نشأ أبو حفص وتأدب، غيره وسماه عبد العزيز. وكان أبو حفص لاعبا بالشطرنج مشغوفا به، فلقب به لغلبته عليه. (انظر ترجمته ج ١٩ ص ٦٩ من «الأغاني» طبع بولاق).

(٤) دنانير: مولاة يحيى بن خالد البرمكي. كانت صفراء مولدة وكانت من أحسن الناس وجها وأظرفهن وأكملهن وأحسنهن أدبا وأكثرهن رواية للغناء والشعر. ولها كتاب مجرّد في «الأغاني» مشهور. (انظر ترجمتها ج ١٦ ص ١٣٦ من «الأغاني» طبع بولاق).

(٥) كذا في أكثر الأصول. وفي ح: «حماد بن إبراهيم بن المهدي ... إلخ» ولم نعرف أن إبراهيم بن المهدي أعقب ولدا اسمه إبراهيم أو حماد. وقد ورد هذا السند في الجزء الخامس (ص ١٧٣ من هذه الطبعة) مختلفا عما هنا وهو: «أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى قال حدّثنا أبي عن طياب بن إبراهيم الموصلي قال ... إلخ).