كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

22 - ذكر ابن جامع وخبره ونسبه

صفحة 495 - الجزء 6

  فالآن من قبل موتي ... لا عطر بعد عروس⁣(⁣١)

  / بنيتم في فؤادي ... أو كار طير النّحوس

  قلبي فريس المنايا ... يا ويحه من فريس

  سئل عن تفضيله برصوما فأجاب:

  - الشعر لرجل من قريش، والغناء لابن جامع في طريقة الرمل - لم يتغنّ في ذلك المجلس بغيره. وكان إذا أراد أن يتغنّى سأل أن يزمر عليه برصوما. فلما كثر ذلك سألوه فيه فقال: لا واللَّه⁣(⁣٢)، ولكنه إذا ابتدأت فغنّيت في الشعر عرف الغرض الذي يصلح فما يجاوزه، وكنت معه في راحة؛ وذلك أن المغنّي إذا تغنّى بزمر زامر فأكثر العمل على الزامر لأنه لا يقفو الأثر؛ فإذا زمر برصوما فأنا في راحة وهو في تعب، وإذا زمر عليّ غيره فهو في راحة وأنا في تعب. فإن شككتم فاسألوا برصوما ومنصور زلزل. فسألوهما عما قال، فقالا: صدق.

  هم المهدي بضربه لاتصاله بالهادي:

  قال وحدّثني عليّ بن أحمد الباهليّ قال: سمعت مصعب بن عبد اللَّه يقول:

  بلغ المهديّ أنّ ابن جامع والموصليّ يأتيان موسى⁣(⁣٣)، فبعث إليهما فجيء بهما، فضرب الموصليّ ضربا مبرّحا، وقال له ابن جامع: ارحم أمّي! فرقّ له وقال له: قبّحك اللَّه! رجل من قريش يغنّي! وطرده. فلما قام⁣(⁣٤) موسى، وجّه الفضل خلفه بريدا حتى جاء به؛ فقال له موسى: ما كان ليفعل هذا غيرك.

  غنى عند الهادي فأعطاه ثلاثين ألف دينار:

  قال وحدّثني الزبير بن بكَّار قال قال لي فلفلة⁣(⁣٥):

  تمنّى يوما موسى أمير المؤمنين ابن جامع، فدفع إليّ الفضل بن الربيع خمسمائة دينار وقال: امض حتى تحمل ابن جامع، وبعث إليه بما يصلحه، فمضيت فحملته. فلما دخلنا أدخله الفضل الحمّام وأصلح من شأنه.

  ودخل على موسى فغنّاه فلم / يعجبه. فلمّا خرج قال له الفضل: تركت الخفيف وغنيت الثقيل، قال: فأدخلني عليه أخرى؛ فأدخله فغنّى الخفيف؛ فقال: حاجتك فأعطاه ثلاثين ألف دينار.


(١) هذا مثل مشهور قالته أسماء بنت عبد اللَّه العذرية، وكان اسم زوجها عروس، ومات عنها، فتزوجها رجل أعسر أبخر بخيل دمم.

فلما أراد أن يظعن بها قالت: لو أذنت لي فرثيت ابن عمي؛ فقال: افعلي؛ فقالت: أبكيك يا عروس الأعراس، يا ثعلبا في أهله وأسدا عند الناس؛ مع أشياء ليس يعلمها الناس. فقال: وما تلك الأشياء؟ فقالت: كان عن الهمة غير نعاس، ويعمل السيف صبيحات الباس. ثم قالت: يا عروس الأغر الأزهر، الطيب الحيم الكريم المحضر، مع أشياء له لا تذكر. فقال: وما تلك الأشياء؟

قالت: كان عيوفا للخنى والمنكر، طيب النكهة غير أبخر، أيسر غير أعسر. فعرف أنها تعرض به. فلما رحل بها قال: ضمي إليك عطرك، وقد نظر إلى قشوة عطرها مطروحة، فقالت: لا عطر بعد عروس. وقيل: إن رجلا تزوّج امرأة فأهديت إليه فوجدها ثفلة فقال: أين عطرك؟ فقالت: خبأته؛ فقال: لا مخبأ لعطر بعد عروس. وهذا المثل يضرب لمن لا يدخر عنه نفيس. (انظر «شرح القاموس» مادة عرس و «مجمع الأمثال» للميداني ج ٢ ص ١٣٧ طبع بولاق).

(٢) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «لا وأبيه».

(٣) هو موسى الهادي بن المهدي تولى الخلافة سنة ١٦٩ هـ وتوفي سنة ١٧٠ وكانت خلافته سنة وشهرين.

(٤) يريد: صار خليفة.

(٥) كذا في ب، س. وفي سائر النسخ: «قليلة».