22 - ذكر ابن جامع وخبره ونسبه
  /
  وكنت إذا ما اشتدّ شوقي رحلتها ... فسارت بمحزون كثير(١) البلابل(٢)
  / وكان رجلا صيّتا(٣)، فكاد صوته يذهب بي كلّ مذهب، وما سمعت قبله ولا بعده مثله.
  نسبة هذا الصوت
  صوت
  ومالي لا أبكي وأندب ناقتي ... إذا صدر الرّعيان ورد المناهل
  وكنت إذا ما اشتدّ شوقي ركبتها ... فسارت بمحزون كثير البلابل
  الغناء لابن جامع خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن الهشاميّ وابن المكَّيّ.
  أهدى الربيع للمنصور فكان يستخفه وأعتقه:
  أخبرني وكيع قال حدّثني هارون بن محمد الزّيات قال حدّثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن الفضل بن الربيع عن أبيه قال:
  كنت في خمسين وصيفا أهدوا للمنصور، ففرّقنا في خدمته، فصرت إلى ياسر صاحب وضوئه. فكنت أراه يفعل شيئا أعلم أنه خطأ: يعطيه الإبريق في آخر المستراح ويقف مكانه لا يبرح. وقال لي يوما: كن مكاني في آخر المستراح. فكنت أعطيه الإبريق وأخرج مبادرا، فإذا سمعت حركته بادرت إليه. فقال لي: ما أخفّك على قلبي يا غلام! ويحك! ثم دخل قصرا من تلك القصور فرأى حيطانه مملوءة من الشعر المكتوب عليها. فبينا هو يقرأ ما فيه إذا هو بكتاب مفرد، فقرأه فإذا هو:
  ومالي لا أبكي وأندب ناقتي ... إذا صدر الرّعيان نحو المناهل
  وكنت إذا ما اشتدّ شوقي رحلتها ... فسارت بمحزون طويل البلابل
  / وتحته مكتوب: آه آه، فلم يدر ما هو. وفطنت له فقلت: يا أمير المؤمنين، قد عرفت ما هو. فقال: قل؛ فقلت: قال الشعر ثم تأوّه فقال: آه آه، فكتب تأوّهه وتنفّسه وتأسّفه. فقال: مالك قاتلك اللَّه! قد أعتقتك ووليّتك مكان ياسر.
(١) في ح: «طويل».
(٢) البلابل: شدّة الهم والوسواس في الصدر وحديث النفس.
(٣) الصيت: الجهير الصوت.