23 - ذكر أبي سفيان وأخباره ونسبه
  / أنّه سمع أبا سفيان يمازح رسول اللَّه ﷺ في بيت بنته أمّ حبيبة ويقول: واللَّه إن هو إلا أن تركتك فتركتك العرب فما انتطحت جمّاء(١) ولا ذات قرن، ورسول اللَّه ﷺ يضحك ويقول: «أنت تقول ذاك يا أبا حنظلة!»(٢).
  سئل وهو مشرك عن تزوّج بنته برسول اللَّه ﷺ فمدحه:
  قال الزبير وحدّثني عمّي مصعب:
  أنّ رسول اللَّه ﷺ تزوّج أمّ حبيبة بنت أبي سفيان وأبو سفيان يومئذ مشرك يحارب رسول اللَّه ﷺ، وقيل له: إن محمدا قد نكح ابنتك؛ فقال: ذلك الفحل لا يقدع(٣) أنفه. واسم أمّ حبيبة رملة، وقيل: هند(٤)، والصحيح رملة.
  أيضا رسول اللَّه ﷺ أذنه فعاتبه فأرضاه:
  أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخزّاز قال حدّثنا المدائنيّ عن مسلمة بن محارب عن عثمان بن عبد الرحمن بن جوشن قال:
  أذن رسول اللَّه ﷺ يوما للناس، فأبطأ بإذن أبي سفيان. فلما دخل قال: يا رسول اللَّه، ما أذنت لي حتى كدت تأذن للحجارة. فقال له: يا أبا سفيان «كلّ الصيد(٥) في جوف الفرا».
  / حدّثنا محمد بن العباس قال حدّثنا الخليل بن أسد النّوشجاني قال حدّثنا عطاء بن مصعب قال حدّثني سفيان بن عيينة عن جعفر بن يحيى البرمكيّ قال:
  أذن رسول اللَّه ﷺ للناس، فكان آخر من دخل عليه أبا سفيان بن حرب. فقال: يا رسول اللَّه، لقد أذنت للناس قبلي حتى ظننت أن حجارة الخندمة(٦) ليؤذن لها قبلي. فقال رسول اللَّه ﷺ: «أما واللَّه إنّك والناس لكما قال الأوّل:» كلّ الصيد في بطن الفرا «». أيّ كل شيء لهؤلاء من المنزلة فإن لك وحدك مثل مالهم كلَّهم.
  خرج إلى الشأم في تجارة، فسأله هرقل عن أحوال النبيّ ﷺ فأجابه وصدقه:
  حدّثني عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان الثّقفيّ قال حدّثنا داود بن عمرو الضّبيّ قال / حدّثنا المثنيّ بن زرعة أبو راشد عن محمد بن إسحاق قال حدّثني الزّهريّ عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه عن عتبة عن ابن عبّاس قال حدّثني أبو سفيان بن حرب قال(٧):
(١) الجماء: الشاة التي لا قرن لها.
(٢) حنظلة: ابن كان لأبي سفيان قتله علي بن أبي طالب كرم اللَّه وجهه يوم بدر.
(٣) فحل لا يقدع أنفه، أي لا يضرب أنفه، لكرمه. وذلك أن الفحل إذا أراد ركوب الناقة قدع وضرب أنفه بالرمح أو غيره إذا كان غير كريم وحمل عليها فحل كريم غيره. وفي ب، س: «يقرع» بالراء المهلمة، وهو بمعنى «يقدع».
(٤) في الأصول: «وقيل صفية». والتصويب عن كتاب «الإصابة في أخبار الصحابة» و «أسد الغابة» و «المواهب اللدنية». وصفية هي أم أم حبيبة وهي صفية بنت أبي العاص.
(٥) هذا مثل يضرب لمن يفضل أقرانه. وأصله أن ثلاثة نفر خرجوا متصيدين فاصطاد أحدهم أرنبا والآخر ظبيا والثالث حمارا (وهو الفرا) فاستبشر صاحب الأرنب وصاحب الظبي بما نالا وتطاولا على الثالث، فقال: «كل الصيد في جوف الفرا» أي هذا الذي رزقت وظفرت به يشتمل على ما عندكما. وذلك أنه ليس مما يصيده الناس أعظم من الحمار الوحشي. (انظر «مجمع الأمثال» للميداني ج ٢ ص ٦٩) طبع بولاق.
(٦) الخندمة: جبل بمكة.
(٧) قد وردت هذه القصة في البخاري (ج ١ ص ٤) باختلاف قليل عما هنا.