كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

1 - أخبار الوليد بن يزيد ونسبه

صفحة 56 - الجزء 7

  فعرفت بعضهم، وسفر النائم فإذا هو يزيد بن الوليد، فعرفته فلم يكلمني. ومضوا ليدخلوا دمشق ليلا في نفر من أصحابه مشاة إلى معاوية بن مصاد⁣(⁣١) وهو بالمزّة - وبينها وبين دمشق ميل - فأصابهم مطر شديد، فأتوا منزل معاوية فضربوا بابه وقالوا: يزيد بن الوليد؛ فقال له معاوية: الفراش، ادخل أصلحك اللَّه؛ قال: في رجلي طين وأكره أن أفسد عليك بساطك؛ فقال: ما تريدني⁣(⁣٢) عليه أفسد. فمشى على البساط وجلس على الفراش، ثم كلَّم معاوية فبايعه. وخرج إلى دمشق فنزل دار ثابت بن سليمان الحسنيّ⁣(⁣٣) مستخفيا، وعلى دمشق عبد الملك بن محمد بن الحجّاج بن يوسف، فخاف عبد الملك الوباء فخرج فنزل قطنا⁣(⁣٤)، واستخلف ابنه على دمشق وعلى شرطته أبو العاج كثير بن عبد اللَّه السّلميّ. وتمّ ليزيد أمره فأجمع على الظهور. وقيل لعامل دمشق: إنّ يزيد خارج فلم يصدّق.

  وأرسل يزيد / إلى أصحابه بين المغرب والعشاء في ليلة الجمعة من جمادى الآخرة سنة سبع⁣(⁣٥) وعشرين ومائة، فكمنوا في ميضأة عند باب الفراديس⁣(⁣٦)؛ حتى إذا أذّنوا العتمة دخلوا المسجد مع الناس فصلَّوا. وللمسجد حرس قد وكلَّوا بإخراج الناس من المسجد بالليل؛ فإذا خرج الناس خرج الحرس وأغلق صاحب المسجد الأبواب، ودخل الدار من باب المقصورة فيدفع المفاتيح إلى من يحفظها / ويخرج. فلما صلَّى الناس العتمة صاح الحرس بالناس فخرجوا، وتباطأ أصحاب يزيد الناقص، فجعلوا يخرجونهم من باب ويدخلون من باب، حتى لم يبق في المسجد إلا الحرس وأصحاب يزيد، فأخذوا الحرس. ومضى [يزيد بن]⁣(⁣٧) عنبسة [السّكسكيّ]⁣(⁣٧) إلى يزيد فأخبره وأخذه بيده وقال: قم يا أمير المؤمنين وأبشر بعون اللَّه ونصره؛ فأقبل وأقبلنا ونحن اثنا عشر رجلا. فلما كنّا عند سوق القمح لقيهم فيها مائتا رجل من أصحابهم، فمضوا حتى دخلوا المسجد وأتوا باب المقصورة، وقالوا: نحن رسل الوليد، ففتح لهم خادم الباب، ودخلوا فأخذوا الخادم، وإذا أبو العاج سكران فأخذوه وأخذوا خزّان البيت⁣(⁣٨) وصاحب البريد؛ وأرسل إلى كلّ من كان يحذره فأخذه. وأرسل من ليلته إلى محمد بن عبيدة مولى سعيد بن العاص وهو على بعلبكّ، وإلى عبد الملك بن محمد بن الحجّاج فأخذهما. وبعث أصحابه إلى الخشبيّة⁣(⁣٩) فأتوه؛ وقال للبوّابين: لا تفتحوا الأبواب غدوة إلَّا لمن أخبركم بشعار كذا وكذا. قال: فتركوا الأبواب في السلاسل. وكان في المسجد سلاح كثير قدم به سليمان بن هشام من الجزيرة، فلم يكن الخزّان قبضوه، فأصابوا سلاحا كثيرا فأخذوه وأصبحوا، وجاء⁣(⁣١٠) أهل المزّة مع حريث بن أبي الجهم. فما انتصف النهار حتى بايع الناس يزيد وهو يتمثّل قول النابغة:


(١) كذا في «الطبري» (ق ٢ ص ١٧٨٩ طبع أوروبا). وفي الأصول: «معاوية بن معاذ». وهو سيد أهل المزة وقد كان أهل المزة بايعوا يزيد إلا معاوية هذا.

(٢) في الأصول: «ما تريد بي أفسد عليه». وعبارة «الطبري»: «الذي تريدني عليه أفسد».

(٣) في «الطبري» ق ٢ ص ٨٣٩، ١٧٨٩: «ثابت بن سليمان بن سعد الخشني».

(٤) في الأصول: «قنطا» بتقديم النون على الطاء. والتصويب عن «الطبري».

(٥) الصواب سنة ست وعشرين ومائة، كما في كتب التاريخ.

(٦) باب الفراديس: باب من أبواب دمشق. قال ابن قيس الرقيات:

أقفرت منهم الفراديس والغو ... طة ذات القرى وذات الظلال

(٧) التكملة عن «الطبري» وعن الأصول فيما سيأتي.

(٨) يريد بيت المال.

(٩) الخشبية سيذكر المؤلف بعد قليل أنهم أصحاب المختار بن أبي عبيد.

(١٠) عبارة «الطبري»: «وجاء أهل المزة وابن عصام ... إلخ».