كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

5 - أخبار إسماعيل بن الهربذ

صفحة 81 - الجزء 7

  إنما الكأس ربيع باكر ... فإذا ما غاب عنّا لم نعش

  / وكأنّ الشّرب قوم موّتوا ... من يقم منهم لأمر يرتعش

  خرس الألسن ممّا نالهم ... بين مصروع وصاح منتعش

  من حميّا⁣(⁣١) قرقف حصّيّة ... قهوة حوليّة لم تمتحش

  ينفع المزكوم منها ريحها ... ثم تنفى داءه إن لم تنشّ⁣(⁣٢)

  كلّ من يشربها يألفها ... ينفق الأموال فيها كلّ هشّ

  استنشده الوليد شعرا فأنشده في الفخر بقومه فعاتبه ووصله

  : أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الجمحيّ - قال ابن أبي الأزهر:

  وهو محمد بن سلَّام -:

  غنّى أبو كامل مولى الوليد بن يزيد يوما بحضرة الوليد بن يزيد:

  امدح الكأس ومن أعملها ... واهج قوما قتلونا بالعطش

  فسأل عن قائل هذا الشعر فقيل: نابغة بني شيبان؛ فأمر بإحضاره فأحضر؛ فاستنشده القصيدة فأنشده إياها؛ وظنّ أن فيها مدحا له فإذا هو يفتخر بقومه ويمدحهم؛ فقال له الوليد: لو سعد جدّك لكانت مديحا فينا لا في بني شيبان، ولسنا نخليك على ذلك من حظَّ؛ ووصله وانصرف. وأوّل هذه القصيدة قوله:

  خلّ⁣(⁣٣) قلبي من سليمى نبلها ... إذ رمتني بسهام لم تطش

  طفلة⁣(⁣٤) الأعطاف رؤد دمية ... وشواها بختريّ لم يحش

  / وكأنّ الدّرّ في أخراصها⁣(⁣٥) ... بيض كحلاء أقرّته بعشّ

  ولها عينا مهاة⁣(⁣٦) في مها ... ترتعي نبت خزامى ونتش

  حرّة الوجه رخيم صوتها ... رطب تجنيه كفّ المنتقش⁣(⁣٧)


(١) الحميا: دبيب الشراب. والقرقف: الخمر، سميت بذلك لأنها تصيب شاربها بقرقفة أي رعدة. والحصية: نسبة إلى الحص وهو الزعفران. قال عمرو بن كلثوم:

مشعشعة كأن الحص فيها ... إذا ما الماء خالطها سخينا

والحولية: التي مضى عليها حول. ولم تمتحش: لم تحرق. يريد: لم تصبها النار.

(٢) لم تنش: من النشوة أي لم تسكر.

(٣) خل: نفذ وثقب.

(٤) الطفلة: الناعمة. والرؤد: الشابة الحسنة. والدمية: التمثال من رخام. والشوي: الأطراف. ولم يحش: لم يعق بالإحاطة عليه كما يحوش الصائد الصيد بحبالته.

(٥) الأخراص: جمع خرص وهو القرط. والكحلاء: طائر.

(٦) المهاة: البقرة الوحشية. والخزامى: نبات طيب الريح. والنتش (بالتحريك): أوّل ما يبدو من النبات على وجه الأرض وفي ب وس وح: «وتقش» بالقاف وفي باقي الأصول: «وتعش» بالعين المهملة، والتصويب عن الديوان.

(٧) انتقش: تخير.