5 - أخبار إسماعيل بن الهربذ
  إنما الكأس ربيع باكر ... فإذا ما غاب عنّا لم نعش
  / وكأنّ الشّرب قوم موّتوا ... من يقم منهم لأمر يرتعش
  خرس الألسن ممّا نالهم ... بين مصروع وصاح منتعش
  من حميّا(١) قرقف حصّيّة ... قهوة حوليّة لم تمتحش
  ينفع المزكوم منها ريحها ... ثم تنفى داءه إن لم تنشّ(٢)
  كلّ من يشربها يألفها ... ينفق الأموال فيها كلّ هشّ
  استنشده الوليد شعرا فأنشده في الفخر بقومه فعاتبه ووصله
  : أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الجمحيّ - قال ابن أبي الأزهر:
  وهو محمد بن سلَّام -:
  غنّى أبو كامل مولى الوليد بن يزيد يوما بحضرة الوليد بن يزيد:
  امدح الكأس ومن أعملها ... واهج قوما قتلونا بالعطش
  فسأل عن قائل هذا الشعر فقيل: نابغة بني شيبان؛ فأمر بإحضاره فأحضر؛ فاستنشده القصيدة فأنشده إياها؛ وظنّ أن فيها مدحا له فإذا هو يفتخر بقومه ويمدحهم؛ فقال له الوليد: لو سعد جدّك لكانت مديحا فينا لا في بني شيبان، ولسنا نخليك على ذلك من حظَّ؛ ووصله وانصرف. وأوّل هذه القصيدة قوله:
  خلّ(٣) قلبي من سليمى نبلها ... إذ رمتني بسهام لم تطش
  طفلة(٤) الأعطاف رؤد دمية ... وشواها بختريّ لم يحش
  / وكأنّ الدّرّ في أخراصها(٥) ... بيض كحلاء أقرّته بعشّ
  ولها عينا مهاة(٦) في مها ... ترتعي نبت خزامى ونتش
  حرّة الوجه رخيم صوتها ... رطب تجنيه كفّ المنتقش(٧)
(١) الحميا: دبيب الشراب. والقرقف: الخمر، سميت بذلك لأنها تصيب شاربها بقرقفة أي رعدة. والحصية: نسبة إلى الحص وهو الزعفران. قال عمرو بن كلثوم:
مشعشعة كأن الحص فيها ... إذا ما الماء خالطها سخينا
والحولية: التي مضى عليها حول. ولم تمتحش: لم تحرق. يريد: لم تصبها النار.
(٢) لم تنش: من النشوة أي لم تسكر.
(٣) خل: نفذ وثقب.
(٤) الطفلة: الناعمة. والرؤد: الشابة الحسنة. والدمية: التمثال من رخام. والشوي: الأطراف. ولم يحش: لم يعق بالإحاطة عليه كما يحوش الصائد الصيد بحبالته.
(٥) الأخراص: جمع خرص وهو القرط. والكحلاء: طائر.
(٦) المهاة: البقرة الوحشية. والخزامى: نبات طيب الريح. والنتش (بالتحريك): أوّل ما يبدو من النبات على وجه الأرض وفي ب وس وح: «وتقش» بالقاف وفي باقي الأصول: «وتعش» بالعين المهملة، والتصويب عن الديوان.
(٧) انتقش: تخير.