كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

6 - أخبار أبي دهبل ونسبه

صفحة 90 - الجزء 7

  شهدناه؛ فإذا بجارية قد اطَّلعت فطرحت في حجر الفتى رقعة ما رأيت أحسن من شكلها مختومة بعنبر؛ فقرأها منفردا بها ثم أجاب عنها ورمى بها إلى الجارية. فلم نلبث أن خرج خادم من الدار في يده كرش⁣(⁣١)، فدخل إلينا فصفع / الفتى به حتى رحمناه وخلَّصناه من يده وقمنا أسوأ الناس حالا. فلما تباعدنا سألناه عن الرقعة، فإذا فيها مكتوب:

  كفى حزنا أنّا جميعا ببلدة ... كلانا بها ثاو ولا نتكلَّم

  فقلنا له: هذا ابتداء ظريف، فبأيّ شيء أجبت أنت؟ قال: هذا صوت سمعته يغنّى فيه، فلمّا قرأته في الرقعة أجبت عنه بصوت مثله. فسألناه ما هو؟ فقال: كتبت في الجواب:

  أراعك بالخابور⁣(⁣٢) نوق وأجمال

  فقلنا له: ما وفّاك القوم حقك قط، وقد كان ينبغي أن يدخلونا معك في القصّة لدخولك في جملتنا، ولكنّا نحن نوفّيك حقّك؛ ثم تناولناه فصفعناه حتى لم يدر أيّ طريق يأخذ؛ وكان آخر عهده بالاجتماع معنا.

  رجع الخبر إلى سياقة أخبار أبي دهبل

  أبو دهبل وعاتكة بنت معاوية

  : أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ قال حدّثني العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال حدّثنا صالح بن حسّان قال، وأخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني محمد بن عمر قال حدّثني محمد بن السّريّ قال حدّثنا هشام بن الكلبيّ عن أبيه، يزيد أحدهما على الآخر في خبره، واللفظ لصالح بن حسان وخبره أتمّ، قال:

  حجّت عاتكة بنت معاوية بن أبي سفيان، فنزلت من مكة بذي طوّى. فبينا هي ذات يوم جالسة وقد اشتد الحرّ وانقطع الطريق، وذلك في وقت الهاجرة، إذ / أمرت جواريها فرفعن السّتر وهي جالسة في مجلسها عليها شفوف لها تنظر إلى الطريق، إذ مرّ بها أبو دهبل الجمحيّ، وكان من أجمل الناس وأحسنهم منظرا؛ فوقف طويلا ينظر إليها وإلى جمالها وهي غافلة عنه؛ فلمّا فطنت له سترت وجهها وأمرت بطرح السّتر وشتمته. فقال أبو دهبل:

  إني دعاني الحين فاقتادني ... حتى رأيت الظبي بالباب

  يا حسنه إذ سبّني مدبرا ... مستترا عنّي بجلباب

  سبحان من وقّفها حسرة ... صبّت على القلب بأوصاب

  يذود عنها إن تطلَّبتها ... أب لها ليس بوهّاب

  أحلَّها قصرا منيع الذّرى ... يحمى بأبواب وحجّاب

  قال: وأنشد أبو دهبل هذه الأبيات بعض إخوانه، فشاعت بمكَّة وشهرت وغنّى فيها المغنّون، حتى سمعتها


(١) الكرش: لعله هنا وعاء الطيب.

(٢) الخابور: اسم لنهر كبير بين رأس عين والفرات من أرض الجزيرة، ولاية واسعة وبلدان جمة غلب عليها اسمه، فنسبت إليه. كذا ذكره ياقوت واستشهد بهذا الشطر ونسب الشعر للأخطل.