10 - أخبار عبد الله بن علقمة وحبيشة
  الثاني فهو سالم مولى / أبي حذيفة. وكان خالد قد أمر كلّ من أسر أسيرا أن يضرب عنقه، فأطلق عبد اللَّه بن عمر وسالم مولى أبي حذيفة أسيرين كانا معهما. فبعث رسول اللَّه ﷺ عليّا ¥ بعد فراغه من حنين وبعث معه بإبل وورق وأمره أن يديهم فوداهم، ثم رجع إلى رسول اللَّه ﷺ، فسأله فقال عليّ: قدمت عليهم فقلت لهم: هل لكم أن تقبلوا هذا الجمل بما أصيب منكم من القتلى والجرحى وتحلَّلوا رسول اللَّه ﷺ؟ قالوا نعم. فقلت لهم: فهل لكم أن تقبلوا الثاني بما دخلكم من الرّوع والفزع؟ قالوا نعم. فقلت لهم: فهل لكم أن تقبلوا الثالث وتحلَّلوا رسول اللَّه ﷺ ممّا علم وممّا لم يعلم؟ قالوا نعم. قال: فدفعته إليهم، وجعلت أديهم، حتى إني لأدي ميلغة(١) الكلب، وفضلت فضلة فدفعتها إليهم. فقال رسول اللَّه ﷺ: «أفقبلوها؟» قال نعم. قال: «فوالذي أنا عبده لهي أحبّ إليّ من حمر النّعم».
  وقالت سلمى(٢) بنت عميس:
  وكم غادروا يوم الغميصاء من فتى ... أصيب فلم يجرح وقد كان جارحا
  / ومن سيّد كهل عليه مهابة ... أصيب ولمّا يعله الشيب واضحا
  أحاطت(٣) بخطَّاب الأيامى وطلَّقت ... غداتئذ من كان منهنّ ناكحا
  ولولا مقال القوم للقوم أسلموا ... للاقت سليم يوم ذلك ناطحا
  ما وقع بين قريش وبين بني عامر بن عبد مناة في الجاهلية
  : قال ابن دأب: وأمّا سبب قتلهم القرشيّين، فإنه كان نفر من قريش بضعة عشر أقبلوا من اليمن حتى نزلوا على ماء من مياه بني عامر بن عبد مناة بن كنانة، وكان يقال لهم «لعقة الدّم» وكانوا ذوي بأس شديد. فجاءت إليهم بنو عامر فقالوا للقرشيّين: إيّاكم أن يكون معكم رجل من فهم؛ لأنه كان له عندهم ذحل. قالوا: لا واللَّه ما هو معنا، وهو معهم. فلما راحوا أدركهم العامريّون ففتّشوهم فوجدوا الفهميّ معهم في رحالهم، فقتلوه وقتلوهم وأخذوا أموالهم. فقال راجزهم:
  إنّ قريشا غدرت وعاده ... نحن قتلنا منهم بغاده(٤)
  عشرين كهلا مالهم زيادة
  وكان فيمن قتل يومئذ عفّان بن أبي العاصي أبو عثمان بن عفّان، وعوف بن عوف أبو عبد الرحمن بن عوف، والفاكه بن المغيرة، والفاكه بن الوليد بن المغيرة. فأرادت قريش قتالهم حتى خذلتهم بنو الحارث بن عبد مناة فلم
(١) الميلغة: الإناء الذي يلغ فيه الكلب.
(٢) هي أخت أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر الصديق ¥. وقد وردت هذه الأبيات في «سيرة ابن هشام» باختلاف في كلماتها، وذكر أن بعضهم يقول: إنها لسلمى وآخر يقول: إنها لقائل من بني جذيمة.
(٣) في «الروض الأنف» للسهيلي (ج ٢ ص ٢٨٥ طبع مصر) و «معجم البلدان» لياقوت في الكلام على الغميصاء: «ألظت». وألظ بالشيء ولظ به: لزمه.
(٤) غادة: موضع في ديار كنانة. قال ساعدة:
فما راعهم إلا أخوهم كأنه ... بغادة فتخاء الجناح كسير
(عن «معجم ما استعجم» للبكري).