كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

11 - ذكر متيم الهشامية وبعض أخبارها

صفحة 214 - الجزء 7

  كانت متيّم ذات يوم جالسة بين يدي المعتصم ببغداد وإبراهيم بن المهديّ حاضر؛ فغنّت متيّم في الثقيل الأوّل:

  لزينب طيف تعتريني طوارقه ... هدوّا إذا ما النّجم لاحت لواحقه

  فأشار إليها إبراهيم أن تعيده؛ فقالت متيّم للمعتصم: يا سيّدي، إبراهيم يستعيدني الصوت وكأنه يريد أن يأخذه؛ فقال لها: لا تعيديه. فلما كان بعد أيام كان إبراهيم حاضرا مجلس المعتصم ومتيّم غائبة، فانصرف إبراهيم بعد حين إلى منزله ومتيّم في منزلها بالميدان⁣(⁣١) وطريقه عليها وهي في منظرة لها مشرفة على الطريق وهي تغنّي هذا الصوت / وتطرحه على جواري عليّ بن هشام؛ فتقدّم إلى المنظرة وهو على دابّته فتطاول حتى أخذ الصوت، ثم ضرب باب المنظرة بمقرعته وقال: قد أخذناه بلا حمدك.

  طلبها المأمون من علي بن هشام فلم يرض

  : وقال ابن المعتزّ: وحدّثت أنّ المأمون سأل عليّ بن هشام أن يهبها له وكان بغنائها معجبا⁣(⁣٢)؛ فدفعه بذلك ولم يكن له منها ولد. فلما ألحّ المأمون في طلبها حرص عليّ على أن تعلق منه حتى حبلت ويئس المأمون منها. فيقال إن ذلك كان سببا لغضبه عليه حتى قتله.

  كان المعتصم يمازحها

  : وحدّثني سليمان⁣(⁣٣) الطَّبّال أنه رأى متيّم في بعض مجالس المعتصم يمازحها ويجبذ بردائها.

  غنت علي بن هشام صوتا أراد إسحاق انتحاله فعوّضه عنه ببرذون

  : وحكى عليّ بن محمد الهشاميّ قال:

  أهدي إلى عليّ بن هشام برذون أشهب قرطاسيّ⁣(⁣٤) وكان في النّهاية من الحسن والفراهة، وكان عليّ به معجبا، وكان إسحاق يشتهيه شهوة شديدة، وعرّض لعليّ بطلبه مرارا فلم يرض أن يعطيه له. فسار إسحاق إلى عليّ يوما بعقب / صنعة متيّم «فلا زلن حسرى» فاحتبسه عليّ وبعث إلى متيّم أن تجعل صوتها هذا في صدر غنائها ففعلت، فأطرب إسحاق إطرابا شديدا، وجعل يستردّه، فتردّه وتستوفيه ليزيد في إطرابه إسحاق وهو يصغي إليها ويتفهّمه حتى صحّ له. ثم قال لعليّ: ما فعل البرذون الأشهب؟ قال: على ما عهدت من حسنه وفراهته. قال:

  فاختر الآن منّي خلَّة من اثنتين: إما أن طبت لي نفسا به وحملتني عليه، وإما أن أبيت فأدّعي واللَّه هذا الصوت لي وقد أخذته، أفتراك تقول: إنه لمتيّم وأقول: إنه لي ويؤخذ قولك / ويترك قولي؟! قال: لا واللَّه ما أظنّ هذا ولا أراه؛ يا غلام قد⁣(⁣٥) البرذون إلى منزل أبي محمد بسرجه ولجامه، لا بارك اللَّه له فيه!.


(١) شارع الميدان: محلة ببغداد وهي بشرقي بغداد بباب الأزل.

(٢) في الأصول: «محسنا».

(٣) في أ، م: «سلمان».

(٤) القرطاسي: الأبيض الذي لا يخالط بياضه شية.

(٥) كذا في «نهاية الأرب» (ج ٥ ص ٦٣ طبعة أولى) وفي الأصول: «قدم البرذون».