كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

11 - ذكر متيم الهشامية وبعض أخبارها

صفحة 217 - الجزء 7

  كانت متيّم تحبّني حبّا شديدا يتجاوز محبّة الأخت لأخيها، وكانت تعلم أني أحبّ النّبق، فكانت لا تزال تبعث إليّ منه. فإنّي لأذكر في ليلة من الليالي في وقت السّحر إذا أنا ببابي يدقّ. فقيل: من هذا؟ فقالوا: خادم متيّم يريد أن يدخل إلى أبي عبد اللَّه. فقلت: يدخل. فدخل ومعه إليّ صينيّة فيها نبق؛ فقال لي: تقرئك السلام وتقول لك:

  كنت عند أمير المؤمنين المعتصم باللَّه فجاؤه بنبق من أحسن ما يكون؛ فقلت له: يا سيّدي، أطلب من أمير المؤمنين شيئا؟ فقال لي: تطلبين ما شئت. قالت: يطعمني أمير المؤمنين من هذا النّبق. فقال لسمانة⁣(⁣١):

  اجعل من هذا النّبق في صينية واجعلوها قدّام متيّم؛ فأخذته وذلَّلته [لك]⁣(⁣٢) وقد بعثت به إليك معي، / ثم دفعت إليّ دراهم وقالت: هب للحرّاس هذه الدراهم لكي يفتحوا الدّروب لك حتى تصير به إليه.

  أراد إسحاق انتحال غناء متيم فعوضه علي بن هشام عن ذلك ببرذون

  : ثم حدّثنا الهشاميّ قال:

  بعث عليّ بن هشام إلى إسحاق فجاء، فأخرج متيّم جاريته إليه؛ فغنّت بين يديه:

  فلا زلن حسرى ظلَّعا لم حملنها ... إلى بلد ناء قليل الأصادق

  فاستعاده إسحاق واستحسنه، ثم قال له: بكم تشتري منّي هذا الصوت؟ فقال له عليّ بن هشام: جاريتي تصنع هذا الصوت وأشتريه منك! قال: قد أخذته الساعة وأدّعيه، فقول من يصدّق، قولي أو قولك! فافتداه منه ببرذون اختاره له.

  سمع علي بن هشام من قلم جارية زبيدة صوتا فأخرجه لجواريه بمائة ألف دينار

  : وحدّثني الهشاميّ قال:

  سمع عليّ بن هشام قدّام المأمون من قلم جارية زبيدة صوتا عجيبا، فرشا لمن⁣(⁣٣) أخرجه من دار زبيدة بمائة ألف دينار حتى صار إلى داره وطرح الصوت على جواريه. ولو علمت بذلك زبيدة لاشتدّ عليها، ولو سألها أن توجّه به ما فعلت.

  ذكر إسحاق متيم في كتابه وكان يتعالى من ذكر غيرها

  : وحدّثني يحيى بن عليّ بن يحيى المنجّم عن أبيه قال:

  لمّا صنعت متيّم اللَّحن في قوله:

  فلا زلن حسرى ظلَّعا لم حملنها

  أعجب به عليّ بن هشام، وأسمعه إسحاق فاستحسنه وقال: من أين لك هذا؟ فقال: من بعض الجواري.


(١) هو سمانة الخادم ويدعى مسرور سمانة (انظر الكلام عليه في «تاريخ الطبري» (ق ٣ ص ١٣٦٧، ١٣٧٤، ١٣٧٧، ١٣٧٨) وفي أكثر الأصول: «لسمانة اجعلي» خطابا لمؤنثة. وفي س: «لشمانة اجعلي». والظاهر أنهما تحريف من النساخ.

(٢) هذه الكلمة ساقطة في ب، س.

(٣) الذي في «معاجم اللغة» أن «رشا» يتعدى إلى مفعوله بنفسه.