كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

جرير

صفحة 286 - الجزء 8

  قال: وقال جرير أيضا في شأن حدراء:

  أثائرة حدراء من جرّ بالنّقا ... وهل لأبي حدراء في الوتر طالب

  أتثأر بسطاما إذا ابتلَّت استها ... وقد بوّلت في مسمعيه الثعالب⁣(⁣١)

  قال ابن سلَّام: والنّقا الذي عناه جرير هو الموضع الذي قتلت فيه بنو ضبّة بسطاما، وهو بسطام بن قيس. قال:

  فكرهت بنو شيبان أن يهتك جرير أعراضهم. فلما أراد الفرزدق نقل حدراء اعتلَّوا عليه وقالوا له إنها ماتت. فقال جرير:

  فأقسم ما ماتت ولكنّما التوى ... بحدراء قوم لم يروك لها أهلا

  رأوا أنّ صهر القين عار عليهم ... وأنّ لبسطام على غالب فضلا

  مدح قوما عادوه في مرضه

  : أخبرني حبيب بن نصر المهلَّبيّ قال حدّثنا ابن أبي سعد قال حدّثنا محمد ابن إدريس اليماميّ قال حدّثنا عليّ بن عبد اللَّه بن محمد بن مهاجر عن أبيه عن جدّه قال:

  دخلنا على جرير في نفر من قريش نعوده في علَّته التي مات فيها، فالتفت إلينا فقال:

  أهلا وسهلا بقوم زيّنوا حسبي ... وإن مرضت فهم أهلي وعوّادي

  إن تجر طير بأمر فيه عافية ... أو بالفراق فقد أحسنتم زادي

  لو أن ليثا أبا شبلين أو عدني ... لم يسلموني لليث الغابة العادي

  نعي الفرزدق إليه فشمت به ثم رثاه

  : أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدّثنا محمد بن صالح بن النطَّاح قال حدّثني أبو جناح أحد بني كعب بن عمرو بن تميم قال:

  نعي الفرزدق إلى المهاجر بن عبد اللَّه وجرير عنده فقال:

  مات الفرزدق بعد ما جدّعته ... ليت الفرزدق كان عاش قليلا

  فقال له المهاجر: بئس لعمر اللَّه ما قلت في ابن عمك! أتهجو ميّتا! أما واللَّه لو رثيته لكنت أكرم العرب وأشعرها.

  فقال: إن رأى الأمير أن يكتمها عليّ فإنها سوءة؛ ثم قال من وقته:

  فلا وضعت بعد الفرزدق حامل ... ولا ذات بعل من نفاس تعلت⁣(⁣٢)

  / هو الوافد الميمون والرائق الثأي⁣(⁣٣) ... إذا النعل يوما بالعشيرة زلَّت

  / قال: ثم بكى ثم قال: أما واللَّه إنّي لأعلم أنّي قليل البقاء بعده، ولقد كان نجمنا واحدا وكل واحد منا مشغول


(١) كناية عن أنه قتل ورمى به فالثعالب تبول عليه.

(٢) تعلت المرأة من نفاسها: برئت منه وخرجت.

(٣) الثأي: الفتق والفساد.