كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

يزيد بن الطئرية

صفحة 333 - الجزء 8

  كان يلقب مودّقا لجماله، وكان كثير التحدث إلى النساء

  : ويكنى يزيد أبا المكشوح⁣(⁣١). وكان يلقّب مودّقا؛ سمّي بذلك لحسن وجهه وحسن شعره وحلاوة حديثه، فكانوا يقولون: إنه إذا جلس بين النساء ودّقهنّ⁣(⁣٢).

  أخبرني محمد بن خلف عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:

  كان يزيد بن الطَّثريّة يقول: من أفحم عند النساء فلينشد من شعري. قال: وكان كثيرا ما يتحدّث إلى النساء، وكان يقال: إنه عنّين.

  ما جرى بين جرم وقشير وما كان من مياد الجرمي ويزيد بن الطثرية

  : وروى عنه⁣(⁣٣) عبد اللَّه بن عمر عن يحيى بن جابر أحد بني عمرو بن كلاب عن سعاد بنت يزيد بن زريق⁣(⁣٤) امرأة منهم:

  / أنّ يزيد بن الطَّثريّة كان من أحسن من مضى وجها وأطيبه حديثا، وأنّ النساء كانت مفتونة به، وذكر الناس أنه كان عنّينا، وذلك أنه لا عقب له، وأنّ الناس أمحلوا⁣(⁣٥) حتى ذهبت الدقيقة من المال ونهكت⁣(⁣٦) الجليلة؛ فأقبل صرم⁣(⁣٧) من جرم ساقته السّنة والجدب من بلاده إلى بلاد بني قشير، وكان بينهم وبين بني قشير حرب عظيمة؛ فلم يجدوا بدّا من رمي قشير بأنفسهم لما قد ساقهم من الجدب والمجاعة ودقّة الأموال وما أشرفوا عليه من الهلكة.

  ووقع الربيع في بلاد بني قشير فانتجعها الناس وطلبوها؛ فلم يعد أن لقيت جرم قشيرا، فنصبت قشير لهم الحرب.

  فقالت جرم: إنما جئنا مستجيرين غير محاربين. قالوا: مما ذا؟ قالوا: من السّنة والجدب والهلكة التي لا باقية لها.

  فأجارتهم قشير وسالمتهم وأرعتهم طرفا من بلادها. وكان في جرم فتى يقال له ميّاد، وكان غزلا حسن الوجه تامّ القامة آخذا بقلوب النساء. والغزل في جرم جائز حسن، وهو في قشير نائرة⁣(⁣٨). فلمّا نازلت جرم قشيرا وجاورتها أصبح ميّاد الجرميّ فغدا إلى القشيريّات يطلب منهنّ الغزل والصّبا والحديث واستبراز الفتيات⁣(⁣٩) عند غيبة الرّجال واشتغالهم بالسّقي والرّعية وما أشبه ذلك؛ فدفعنه عنهنّ وأسمعنه ما يكره. وراحت رجالهنّ عليهنّ وهنّ مغضبات؛ فقال عجائز منهنّ: واللَّه ما ندري أرعيتم جرما المرعى أم أرعيتموهم نساءكم! فاشتدّ ذلك عليهم فقالوا: وما أدراكنّه⁣(⁣١٠)؟ قلن: رجل منذ اليوم ظلّ مجحرا⁣(⁣١١) لنا / ما يطلع منا⁣(⁣١٢) رأس واحدة، يدور بين بيوتنا. فقال بعضهم:


(١) كنى بذلك لأنه كان على كشحه (خاصرته) كي نار.

(٢) كذا في أكثر الأصول. يريد أنه فتنهن بجماله وحلاوة حديثه. يقال: ودقت المرأة واستودقت وأودقت إذا مالت إلى الفحل. والأصل فيه لذوات الحافر ثم نقل إلى الإنسان. وفي ب، س: «أودق».

(٣) مرجع الضمير في «عنه» غير واضح، على أنه يحتمل أن تكون كلمة «عنه» زيدت سهوا.

(٤) في م: «رزيق» بتقديم الزاي على الراء.

(٥) في ب، س: «محلوا»، وهو تحريف، إذ يقال: محلت الأرض (من باب كلام ومنع) وأمحلت، ويقال: أمحل القوم ليس غير.

(٦) كذا في ج. وفي «سائر الأصول»: «وتهتكت الحليلة».

(٧) الصرم (بالكسر): الجماعة من الناس.

(٨) كذا «في الأصول». والنائرة: العداوة والشحناء، أي أن الغزل في قشير سبب العداوة والتباغض. وفي «تجريد الأغاني»: «مكروه».

(١٠) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «الفتيان» بالنون، وهو تصحيف.

(١١) في «تجريد الأغاني»: ... ماذا كنه».

(١٢) كذا في الأصول: «محجرا» (بحاء مهملة فجيم) والأرجح أن تكون (بجيم معجمة بعدها حاء) وهو مأخوذ من أحجره إذا ألجأ إلى أن يدخل حجره. ومجاحر القوم: أماكنهم.

(١٣) كذا في «تجريد الأغاني». و «في الأصول»: «ما يطلع بنا».