كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

جميلة

صفحة 358 - الجزء 8

  مولى العبلات فلو ابتدأت لقدّمتك عليهم. ثم سألوها جميعا أن تغنّيهم لحنا كما غنّوا؛ فغنّتهم بيتا لامرئ القيس وأربعة أبيات لعلقمة وهي:

  خليليّ مرّا بي على أمّ جندب ... أقضّ لبانات الفؤاد المعذّب

  ليالي لا تبلى⁣(⁣١) نصيحة بيننا ... ليالي حلَّوا بالسّتار⁣(⁣٢) فغرّب

  / مبتّلة⁣(⁣٣) كأنّ أنضاء حليها ... على شادن من صاحة متربّب

  محال⁣(⁣٤) كأجواز الجراد ولؤلؤ ... من القلقيّ والكبيس الملوّب

  إذا ألحم الواشون للشرّ بيننا ... تبلَّغ رسّ الحبّ غير المكذّب⁣(⁣٥)

  فكلَّهم أقرّوا لها وفضّلوها. فقالت لهم: ألا أحدّثكم بحديث يتمّ به حسن غنائكم⁣(⁣٦) وتمام اختياركم؟ قالوا: بلى واللَّه. قال الغريض: قد واللَّه فهمته يا سيّدتي قالت: لعنك اللَّه يا مخنّث! ما أجود فهمك وأحسن وجهك! وما يلام فيك أبو يحيى إذ عرفته؛ فهاته حدّثنا. قال: يا سيّدتي وسيّدة من حضر، واللَّه لا نطقت بحرف منه وأنت حاضرة، ولك الفضل والعتبى. قالت: نازع امرؤ القيس علقمة بن عبدة الفحل الشعر؛ فقال له: قد حكَّمت⁣(⁣٧) بيني وبينك / امرأتك أمّ جندب؛ قال: قد رضيت. فقالت لهما: قولا شعرا على رويّ واحد وقافية واحدة صفا فيه الخيل.

  فقال امرؤ القيس:

  خليليّ مرّا بي على أمّ جندب ... أقضّ لبانات الفؤاد لمعذّب

  / وقال علقمة:

  ذهبت من الهجران في غير مذهب ... ولم يك حقّا كلّ هذا التجنّب

  وأنشداها، فغلَّبت علقمة. فقال لها زوجها: بأيّ شيء غلَّبته؟ قالت: لأنك قلت:


(١) كذا في «ديوان علقمة». وفي الأصول: «ليلى فلا تبلى» وهو تحريف.

(٢) الستار (على وزن كتاب): جبل بعالية الحجاز. وغرب موضع تلقاءه. وهذا البيت واقع في «ديوان علقمة» بعد قوله:

ذهبت من الهجران في غير مذهب ... ولم يك حقا كل هذا التجنب

وهو مطلع القصيدة. يقول لنفسه: ذهبت من هجران هذه المرأة لك في غير مذهب يجب، أي لم تهجرك لريبة رابتك بها لكن إدلالا وتجنبا، ولم يكن تجنبها حقا، إذ لم تأت إليها ما يوجب التجنب. وقوله: ليالي لا تبلى أي فعلت هذا بك زمن المرتبع إذ كان حيها وحيك متجاورين، فكنا نجدد النصائح ونقرب الوسائل. (راجع شرح ديوان علقمة الفحل للأعلم الشنتمري).

(٣) المبتلة: المكتنزة اللحم الضامرة الكشح. وأنضاء الحلى: ما دق منه ولطف. يعني قرطيها وقلائدها ولم يعن سوارا ولا خلخالا، لأنه إنما قصد إلى تشبيه جيدها وما عليه من الحلى يجيد الشادن. وصاحة: جبل أحمر بين الركاء والدخول، وقيل: صاحة هضبتان عظيمتان لهما زيادات وأطراف كثيرة، وهي من عماية (جبل بالبحرين ضخم) تلي مغرب الشمس بينهما فرسخ. (عن «معجم ما استعجم» للبكري). ومتربب: مربى.

(٤) المحال: ضرب من الحلى يصاغ مفقرا (أي محززا) على تفقير وسط الجراد، والجوز: وسط الشئ، والقلقي: ضرب من القلائد المنظومة من اللؤلؤ. قال صاحب «اللسان»: والظاهر أنها سميت بذلك لقلقها (أي اضطرابها). والكيس: حلى يصاغ مجوّفا ثم يحشى طيبا ثم يكبس. والملوّب: المعطر بالملاب، وهو نوع من العطر، وقيل: الملاب كل عطر مائع.

(٥) ألحم: أدخل. يقال: ألحم بين بني فلان شرا إذا جناه لهم. وقوله: تبلغ رس الحب أي تبلغ في القلب وثبت فيه. والرس: الثابت الراسخ. وغير المكذب أي غير المنقطع الرائل.

(٦) في ب، س: «غضارتكم».

(٧) في الأصول: «حاكمت».