كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

جميلة

صفحة 361 - الجزء 8

  قوم من أهل اليمن يريدون النبيّ فضلَّوا⁣(⁣١) الطريق ووقعوا على غيرها ومكثوا ثلاثا لا يقدرون على الماء، وجعل الرجل منهم يستذري⁣(⁣٢) بفيء السّمر والطَّلح يائسا من الحياة، إذ أقبل راكب على بعير له، وأنشد بعض القوم هذين البيتين فقال:

  ولما رأت أن الشّريعة همّها ... وأن البياض من فرائصها دامي

  تيمّمت العين التي عند ضارج ... يفيء عليها الظَّلّ عرمضها طامي

  فقال الراكب: من يقول هذا؟ قال: امرؤ القيس. قال: واللَّه ما كذب؛ هذا ضارج عندكم، وأشار لهم إليه؛ فحبوا على الرّكب فإذا ماء⁣(⁣٣) عذب وإذا عليه العرمض والظلّ يفيء عليه، فشربوا منه ريّهم وحملوا ما اكتفوا به حتى بلغوا الماء، فأتوا / النبيّ / فأخبروه وقالوا: يا رسول اللَّه، أحيانا اللَّه ø ببيتين من شعر امرئ القيس، وأنشدوه الشعر. فقال رسول اللَّه : «ذلك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها، مسنيّ في الآخرة خامل فيها، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء إلى النار». فكلّ استحسن الحديث. ونهض عبد اللَّه بن جعفر ونهض القوم معه. فما رأيت مجلسا كان أحسن منه.

  سئل عمر بن الخطاب عن الشعراء فقدّم أمرأ القيس

  : قال إسحاق: حدّثني بعض أهل العلم عن ابن عيّاش عن الشّعبيّ قال:

  رأيت دغفلا النسّابة يحدّث أنه رأى العباس بن عبد المطَّلب سأل عمر بن الخطَّاب عن الشعراء، فقال: امرؤ القيس سابقهم خسف لهم عين الشعر فافتقر عن⁣(⁣٤) معان عور أصحّ بصرا⁣(⁣٥)، قال إسحاق: معنى خسف: احتفر.

  وهو من كندة من اليمن، وليست لهم فصاحة مضر، ولا شعرهم بجيّد. فجعل معاني اليمن معاني عورا وما قاله:

  أصحّ بصرا⁣(⁣٥) أي أجود شعرا. ومعنى افتقر: احتفر. والفقيرة: الحفيرة تحفر للفسيلة لتغرس. وكل ما ابتدأت حفره فهو فقير. والمعنى أنه قال شعرا جيّدا وليس هو في معنى شعر مضر.

  حديث جرير عن طرفة وامرئ القيس وزهير وذي الرمة

  : وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن الخطفى:

  سمعت أبي يقول: دخل جدّي على بعض ملوك بني أمية؛ فقال: ألا تخبرني عن الشعراء؟ قال بلى. قال: من أشعر الناس؟ قال: ابن العشرين (يعني طرفة). قال: فما تقول في امرئ القيس؟ قال: اتخذ الخبيث الشعر نعلين، فأقسم باللَّه لو أدركته لرفعت له ذلاذله⁣(⁣٦). قال: فما رأيك في ابن أبي سلمى؟ قال: كان يبري / الشعر. قال: فما رأيك في ذي الرّمّة؟ قال: قدر من طريف الكلام وغريبه وحسنه على ما لم يقدر عليه أحد حتى صنّف الشعر.


(١) في الأصول: «فأضلوا». ولا يقال: أضللت الشيء إلَّا إذا ضاع منك. وأما إذا أخطأت موضع الشيء الثابت مثل الدار والمكان قلت: ضللته، ولا تقل: أضللته.

(٢) يستذري: يستظل.

(٣) في أ، م: «عدّ». والماء العدّ: الدائم الذي له مادة لا انقطاع لها مثل ماء العين وماء البئر.

(٤) كذا في «لسان العرب» (مادة فقر). وفي الأصول: «من معان».

(٥) في جميع الأصول واللسان: «أصح بصر» ولم يظهر له عندنا وجه.

(٦) كذا في ح. والذلاذل: أسافل القميص الطويل، الواحد ذلذل. وفي سائر الأصول: «زلازله» بزايين، وهو خطأ.