كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أبو دلف

صفحة 400 - الجزء 8

  تأخّرت عنه حينا حياء. فبعث إليّ معقل بن عيسى، فقال: يقول لك الأمير: قد انقطعت عنّي، وأحسبك استقللت برّي بك، فلا يغضبنك ذلك، فسأزيد فيه حتى ترضى. فقلت: واللَّه ما قطعني إلَّا إفراطه في البرّ، وكتبت إليه.

  هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة ... وهل يرتجى نيل الزيادة بالكفر

  / ولكنّني لمّا أتيتك زائرا ... فأفرطت في برّي عجزت عن الشكر

  فم الان لا آتيك إلا مسلَّما ... أزورك في الشهرين يوما أو الشهر

  فإن زدتني برّا تزايدت جفوة ... ولم تلقني طول الحياة إلى الحشر

  فلمّا قرأها معقل استحسنها جدّا وقال: أحسنت واللَّه! أما إنّ الأمير لتعجبه هذه المعاني. فلما أوصلها إلى أبي دلف قال: قاتله اللَّه. ما أشعره وأدقّ معانيه! فأعجبته فأجابني لوقته - وكان حسن البديهة حاضر الجواب -:

  ألا ربّ ضيف طارق قد بسطته ... وآنسته قبل الضّيافة بالبشر

  أتاني يرجّيني فما حال دونه ... ودون القرى والعرف من نائلي ستري

  وجدت له فضلا عليّ بقصده ... إليّ وبرّا زاد فيه على برّي

  فزوّدته مالا يقلّ بقاؤه ... وزوّدني مدحا يدوم على الدهر

  قال: وبعث إليّ بالأبيات مع وصيف له وبعث معه إليّ بألف دينار؛ فقلت حينئذ:

  إنما الدنيا أبو دلف

  الأبيات.

  أخبرني عليّ بن سليمان قال أخبرنا المبرّد قال أخبرني إبراهيم بن خلف قال:

  بينا أبو دلف يسير مع معقل، وهما إذ ذاك بالعراق، إذ مرّا بقصر، فأشرفت منه جاريتان؛ فقالت إحداهما للأخرى: هذا أبو دلف الذي يقول فيه الشاعر:

  إنما الدنيا أبو دلف فقالت الأخرى: أو هذا! قد واللَّه كنت أحبّ أن أراه منذ سمعت ما قيل فيه. فالتفت أبو دلف إلى معقل فقال: ما أنصفنا عليّ بن جبلة ولا وفيناه حقّه، وإن ذلك لمن كبير همّي. قال: وكان أعطاه ألف دينار.

  صوت من المائة المختارة من رواية عليّ بن يحيى

  أمّا القطاة فإنّي سوف أنعتها ... نعتا يوافق منها بعض ما فيها

  سكَّاء⁣(⁣١) مخطوبة⁣(⁣٢) في ريشها طرق ... صهب قوادمها كدر خوافيها

  عروضه من البسيط. والشعر مختلف في قائله، ينسب إلى أوس بن غلفاء الهجيميّ وإلى / مزاحم العقيليّ وإلى


(١) السكك: صغر الأذن ولصوقها بالرأس. يقال للقطاة سكاء لأنه لا أذن لها.

(٢) كذا في «نهاية الأرب» (ج ١٠ ص ٢٦٢ طبعة أولى). والمخطوبة: التي على لون الحنظلة إذا أخطبت أي أصفرّت وصارت فيها خطوط خضر. والطرق في الريش. أن يكون بعضه فوق بعض كأن الأعلى يلبس الأسفل. والصهبة: لون يضرب إلى الحمرة أو إلى الشقرة. وفي الأصول: «مخطوطة بالطاء المهملة.