كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

الأخطل

صفحة 423 - الجزء 8

  نصح له شيباني بألا يهجو جريرا

  : أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني عبد اللَّه بن أبي سعد قال ذكر الحرمازيّ:

  أنّ رجلا من بني شيبان جاء إلى الأخطل فقال له: يا أبا مالك، إنّا، وإن كنّا بحيث تعلم من افتراق العشيرة واتّصال الحرب والعداوة، تجمعنا ربيعة، وإنّ لك عندي نصحا. فقال: هاته، فما كذبت. فقلت: إنك قد هجوت جريرا ودخلت بينه وبين الفرزدق وأنت غنيّ عن ذلك ولا سيما أنه يبسط لسانه بما ينقبض عنه لسانك ويسبّ ربيعة سبّا لا تقدر على سبّ مضر بمثله والملك فيهم والنبوّة قبله؛ فلو شئت أمسكت عن مشارّته ومهارتّه. فقال: صدقت في نصحك وعرفت مرادك، وصلتك رحم! فوالصّليب والقربان لأتخلَّصنّ إلى كليب خاصّة دون مضر بما يلبسهم خزيه ويشملهم عاره. ثم اعلم أنّ العالم بالشعر لا يبالي وحقّ الصليب إذا مرّ به البيت المعاير⁣(⁣١) السائر الجيّد، أمسلم قاله أم نصراني.

  أنشد عبد الملك من شعره وتخيله في حانوت بدمشق فبحث عنه فكان كما ظن

  : أخبرني وكيع قال حدّثني أبو أيّوب المدينيّ عن أبي الحسن المدائنيّ قال: أصبح عبد الملك يوما في غداة باردة، فتمثّل قول الأخطل:

  إذا اصطبح الفتى منها ثلاثا ... بغير الماء حاول أن يطولا

  مشى قرشيّة لا شكّ فيها ... وأرخى من مآزره الفضولا

  ثم قال: كأنّي أنظر إليه الساعة مجلَّل⁣(⁣٢) الإزار مستقبل الشمس في حانوت من حوانيت دمشق؛ ثم بعث رجلا يطلبه فوجده كما ذكره.

  قال أبو عمر لأبي حيّة وقد أنشده معجبا بنفسه: كأنك الأخطل

  : وقال هارون بن الزيّات حدّثني طائع عن الأصمعيّ قال: أنشد أبو حيّة النّميريّ يوما أبا عمرو:

  يا لمعدّ ويا للنّاس كلَّهم ... ويا لغائبهم يوما ومن شهدا

  / كأنه معجب بهذا البيت؛ فجعل أبو عمرو يقول له: إنك لتعجب بنفسك كأنك الأخطل.

  عرض عليه عبد الملك الإسلام وحواره معه في ذلك

  : أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا الغلابيّ عن عبد الرحمن التّيميّ عن هشام بن سليمان المخزوميّ:

  أن الأخطل قدم على عبد الملك، فنزل على ابن سرحون⁣(⁣٣) كاتبه. فقال عبد الملك: على من نزلت؟ قال:


(١) المعاير: المتداول بين الناس. وفي ب، س: «العائر» وهو أيضا السائر بين الناس.

(٢) لعل صوابه «مجللا بالإزار» أي مغطى به.

(٣) كذا في الأصول. والذي في «العقد الفريد» (ج ٢ ص ٣١٧): «وكان كاتبه - يعني عبد الملك - سرحون بن منصور الرومي». وذكره الطبري باسم «سرجون بن منصور الرومي» بالجيم، وذكر أنه كان كاتبا لمعاوية بن أبي سفيان ثم لمعاوية بن يزيد بن معاوية.