كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

سائب خاثر

صفحة 446 - الجزء 8

  معبد عنه غناء كثيرا فنحل الناس بعضه إليه⁣(⁣١)، وأهل العلم بالغناء يعرفون ذلك. وزعم ابن خرداذبه أنّ أمّ محمد / ابن عمرو الواقديّ القاضي المحدّث بنت عيسى بن جعفر بن سائب خاثر.

  هو أول من غنى بالعربية الغناء الثقيل

  : وقال ابن الكلبيّ: سائب خاثر أوّل من غنّى بالعربيّة الغناء الثقيل؛ وأوّل لحن صنعه منه:

  لمن الدّيار رسومها قفر

  قال: فألفت هذا الصوت الفروح.

  قال وحدّثني محمد بن يزيد أنّ أوّل صوت صنعه في شعر امرئ القيس:

  أفاطم مهلا بعض هذا التدلَّل

  وأنّ معبدا أخذ لحنه فيه فغنّى عليه:

  أمن آل ليلى باللَّوى متربّع

  وفد على معاوية مع عبد اللَّه بن جعفر فسمع منه وأجازه

  : أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن ابن الكلبيّ عن لقيط قال:

  وفد عبد اللَّه بن جعفر على معاوية ومعه سائب خاثر فوقّع له في حوائجه، ثم عرض عليه حاجة لسائب خاثر؛ فقال معاوية: من سائب خاثر؟ قال: رجل من أهل المدينة ليثيّ يروي الشعر. قال: أو كلّ من روى الشعر أراد أن نصله! قال: إنه حسّنه. قال: وإن حسّنه! قال: أفأدخله إليك يا أمير المؤمنين؟ قال نعم. قال: فألبسته ممصّرتين⁣(⁣٢) إزارا ورداء. فلما دخل قام على الباب ثم رفع صوته يتغنّى:

  لمن الديار رسومها قفر

  فالتفت معاوية إلى عبد اللَّه بن جعفر فقال: أشهد لقد حسّنه! فقضى حوائجه وأحسن إليه.

  نسبة هذا الصوت

  لمن الديار رسومها قفر ... لعبت بها الأرواح والقطر

  وخلالها من بعد ساكنها ... حجج مضين ثمان أو عشر

  والزّعفران على ترائبها ... شرق⁣(⁣٣) به اللَّبّات والنّحر

  الشعر ينسب إلى أبي بكر⁣(⁣٤) بن المسور بن مخرمة الزّهريّ، وإلى الحارث بن خالد المخزوميّ، وإلى بعض


(١) الذي في أمهات «كتب اللغة»: نحلة القول ينحله نحلا شبه إليه ونحلته القول أنحله نحلا بالفتح إذا أضفت إليه قولا قاله غيره وادّعيته عليه.

(٢) كذا في «تجريد الأغاني». والممصر من الثياب: الذي فيه صفرة خفيفة. وفي الأصول: «مخصرتين» بالخاء المعجمة وهو تحريف.

(٣) شرق الجسد بالطيب: امتلأ.

(٤) كذا في ج: و «كتاب المعارف» لابن قتيبة ص ٢١٨، وفي سائر الأصول: «أبي ذكر» وهو تحريف. وقد ورد البيت الأخير في «لسان العرب» و «شرح القاموس» (مادة شرق) منسوبا للخيل.