كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

سلامة القس

صفحة 456 - الجزء 8

  سلَّام هل لي منكم ناصر ... أم هل لقلبي عنكم زاجر

  قد سمع الناس بوجدي بكم ... فمنهم اللَّائم والعاذر

  في أشعار كثيرة يطول ذكرها.

  غنت هي وأختها ريا في شعر لابن قيس الرقيات وللأحوص وأجادتا في شعر الأحوص فحسده ابن قيس

  : وأخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني الجمحيّ قال:

  كانت سلَّامة وريّا أختين، وكانتا من أجمل النساء وأحسنهن غناء. فاجتمع الأحوص وابن قيس الرقيّات عندهما؛ فقال لهما ابن قيس الرقيّات: إنّي أريد أن أمدحكما بأبيات وأصدق فيها ولا أكذب؛ فإن أنتما غنّيتماني بذلك وإلَّا هجوتكما ولا أقربكما. قالتا: فما قلت؟ قال قلت:

  لقد فتنت ريّا وسلَّامة القسّا ... فلم تتركا للقسّ عقلا ولا نفسا

  فتاتان أمّا منهما فشبيهة ال ... هلال وأخرى منهما تشبه الشمسا

  تكنّان أبشارا رقاقا وأوجها ... عتاقا⁣(⁣١) وأطرافا مخضّبة ملسا

  فغنّته سلَّامة واستحسنتاه. وقالتا للأحوص: ما قلت يا أخا الأنصار؟ قال قلت:

  صوت

  أسلام هل لمتيّم تنويل ... أم هل صرمت وغال ودّك غول

  لا تصرفي عنّي دلالك إنّه ... حسن لديّ وإن بخلت جميل

  / أزعمت أنّ صبابتي أكذوبة ... يوما وأنّ زيارتي تعليل

  - الغناء لسّلامة القسّ خفيف ثقيل أوّل بالبنصر عن الهشاميّ وحمّاد. وفيه لإبراهيم لحنان، أحدهما خفيف ثقيل بالبنصر في مجراها عن إسحاق وعمرو، والآخر ثقيل أوله استهلال عن الهشاميّ - فغنّت الأبيات. فقال ابن قيس الرّقيّات: يا سلَّامة! أحسنت واللَّه! وأظنّك عاشقة لهذا الحلقيّ⁣(⁣٢)! فقال له الأحوص: ما الذي أخرجك⁣(⁣٣) إلى هذا؟

  قال: حسن غنائها بشعرك، فلو لا أنّ لك في قلبها محبّة مفرطة ما جاءها هكذا حسنا على هذه البديهة. فقال له الأحوص: على قدر حسن شعري على شعرك هكذا حسن الغناء به، / وما هذا منك ألَّا حسد، ونبيّن لك الآن ما حسدت عليه. فقالت سلَّامة: لولا أنّ الدخول بينكما يوجب بغضة لحكمت بينكما حكومة لا يردّها أحد. قال الأحوص: فأنت من ذلك آمنة. قال ابن قيس الرقيّات: كلَّا! قد أمنت أن تكون الحكومة عليك، فلذلك سبقت بالأمان لها. قال الأحوص: فرأيك يدلَّك على أن معرفتك بأنّ المحكوم عليه أنت؛ وتفرّقا. فلما صار الأحوص إلى منزله جاءه ابن قيس الرقيّات فقرع بابه، فأذن له وسلَّم عليه واعتذر.

  ومما قاله الأحوص في سلَّامة القسّ وغنّي به:


(١) العتق: الجمال والكرم.

(٢) كذا في ج يقال: أتان حلقية (بالتحريك) إذا تداولتها الحمر فأصابها داء في رحمها. والمراد هنا واضح.

(٣) في ح: «ما الذي أحوجك».