العباس بن الأحنف
  يحيى بن عليّ بن يحيى في «كتاب النّغم». وإذ فرغت من حكاية ما ذكره وحكاه عبيد اللَّه في نسبة هذا الصوت فقد ينبغي ألَّا أجرى الأمر فيه على التقليد دون القول الصحيح فيما ذكره وحكاه. والذي وصفه من جهة النغم العشر متوالية في صوت واحد محال لا حقيقة له، ولا يمكن أحدا بتّة(١) أن يفعله. وأنا أبيّن العلَّة في ذلك على تقريب، إذ كان استقصاء شرحها طويلا. وقد ذكرته في رسالة إلى بعض إخواني في علل النغم، وشرحت هناك العلَّة في أن قسّم الغناء قسمين وجعل على مجريين: الوسطى والبنصر دون غيرهما، حتى لا يدخل(٢) واحدة منهما على صاحبتها في مجراها قرب مخرج الصوت، إذا كان على الوسطى منه [أو](٣) إذا كان على البنصر وشبهه به. فإذا أراد مريد إلحاق هذا بهذا لم يمكنه بتّة على وجه ولا سبب؛ ولا يوجد في استطاعة حيوان أن يتلو إحداهما بالأخرى. وإذا أتبعت(٤) إحداهما بالأخرى في ناي أو آلة من آلات الزمر تفصّلت إحداهما / من الأخرى. وإنما قلَّت النغم في غناء الأوائل لأنهم قسّموها قسمين بين هاتين الإصبعين، فوجدوهما إذا دخلت إحداهما مع الأخرى في طريقتها لم يكن ذلك إلا بعد أن يفصل بينهما بنغم أخرى للسبّابة والخنصر يدخل بينهما حتى تتباعد المسافة بينهما، ثم لا يكون لذلك الغناء ملاحة ولا طيب للمضادّة في المجريين، فتركوه ولم يستعملوه؛ فإن كان صحّ لعبيد اللَّه عمل في النغم العشر في صوت، / فلعلَّه صحّ له في الصوت الذي ذكر أنه فرّقها فيه؛ فأما المتوالية - على ما ذكره هاهنا - فمحال، ولست أقدر في هذا الموضع على شرح أكثر من هذا، وهو في الرسالة التي ذكرتها مشروح.
  انتهى الجزء الثامن من كتاب الأغاني ويليه الجزء التاسع وأوّله نسب كثير وأخباره
(١) المشهور في هذه الكلمة أنها لا تنكر. قال ابن بري: مذهب سيبويه وأصحابه، أن البتة لا تكون إلَّا معرفة لا غير، وإنما أجاز تنكيرها الفراء وحده، وهو كوفي.
(٢) في الأصول: «لا تدخل» بالتاء المثناة الفوقية.
(٣) زيادة يقتضيها السياق.
(٤) في الأصول: «ولا إذا اتبعت ... إلخ». والظاهر إنها محرفة عما أثبتناه.