نسبه وأخباره
  ألم ترني خيّرت والأمر واقع(١) ... فما كنت لما قلت بالمتخيّر
  رضاك على شيء سواه ومن يكن ... إذا اختار ذا حزم من الأمر(٢) يظفر
  فعدت لترضى عن جهاد وصاحب ... شفيق قديم الودّ كان موقّريّ(٣)
  على أحد الثّغرين ثم تركته ... وقد كنت في تأميره غير ممتري
  فأمسكت عن سلم عناني(٤) وصحبتي ... ليعرف وجه العذر قبل التعذر
  فإن كنت لما تدر ما هي شيمتي ... فسل بي أكفائي وسل بي معشري
  ألست مع الإحسان والجود ذا غنى ... وبأس إذا ما كفّروا في التّستّر(٥)
  ورأي(٦) وقد أعصى الهوى خشية الرّدى ... وأعرف غبّ الأمر قبل التّدبّر
  وما كنت لولا ذاك ترتدّ بغبتي ... عليّ ارتداد المظلم المتجبّر
  قال: ودفعها إلى عبيد اللَّه [بن(٧) زياد] في صحيفة، فقرأها ثم دفعها إلى حارثة بن بدر، وقال له: أردد على أنس صحيفته فلا حاجة لنا فيها(٨). فقال حارثة:
  / ألكني إلى من قال هذا وقل له ... كذبت فما إن أنت بالمتخيّر
  وإنك لو صاحبت سلما وجدته ... كعهدك عهد السّوء لم يتغيّر
  أتنصح لي يوما ولست بناصح ... لنفسك فاغشش ما بدا لك أو ذر
  كذبت ولكن أنت رهن بخزية(٩) ... ويوم كأيام عبوس مذكَّر(١٠)
  كأشقر أضحى بين رمحين إن مضى ... على الرّمح ينحر أو تأخّر يعقر
  (قال): وأعجبت(١١) عبيد اللَّه، وقال: لعمري لقد أجبته. على إرادتي وأمسك عبيد اللَّه في يده الصحيفة، فلما دخل عليه أنس دفعها إليه، فنظر فيها، ثم قال لعبيد اللَّه: لقد ردّ عليّ من لا أستطيع جوابه. وظنّ أن عبيد اللَّه قالها(١٢)، وخرج أنس والصحيفة في يده، فلقيه عبد الرحمن بن رألان فدفعها إليه أنس، فلما قرأها قال: هذا شعر حارثة بن بدر، أعرفه. فقال له أنس: صدقت واللَّه، ثم قال لحارثة:
  عجبت لهرج(١٣) من زمان مضلَّل ... ورأي لألباب الرجال مغيّر
  ومن حقبة عوجاء(١٤) غول تلَّبست ... على الناس جلد الأربد المتنمّر
  فلا يعرف المعروف فيه لأهله ... وإن قيل فيه منكر لم ينكَّر
(١) أ، ب: «والحزم».
(٢) أ، ب: «القوم».
(٣) أ، س: «مؤمري».
(٤) ب: «لساني».
(٥) أ، ب: «بالتستر».
(٦) س: «ورائي».
(٧) التكملة من أ، ب.
(٨) أ، ب: «نصيحته فلا حاجة لي فيها».
(٩) أ، ب: «لخزية».
(١٠) مذكر: شديد صعب.
(١١) أ، ب: «فأعجبت».
(١٢) أ، ب: «قائلها».
(١٣) كذا في أ، ب. والهرج: الكذب والخداع. والذي في س. «هوج».
(١٤) كذا في أ، ب. والذي في س: «عقبة عرجاء».