نسبه وأخباره
  زعم عاصم بن الحدثان(١) أنّ حارثة بن بدر قال لعبيد اللَّه بن ظبيان، وكانا في عرس لابن مسمع: هل لك في شراب؟ قال: نعم، فأتيا بنبيذ من زبيب وعسل، فأخذ ابن ظبيان العسّ فكرع فيه حتى كاد يأتي عليه(٢)، ثم ناوله حارثة. فقال له حارثة: [يا بن ظبيان]، إنك لطب بحسوها(٣). فقال: أجل، واللَّه إنّي لأشربها حلالا وأجاهر بها إذا أخفى غيري شرب الحرام. فقال له حارثة: من غيرك هذا؟ قال: سائلي عن هذا الأمر. فقال حارثة:
  إذا كنت ندماني فخذها وسقّني(٤) ... ودع عنك من رآك تكرع في الخمر
  فإنّي امرؤ ولا أشرب الخمر في الدّجا ... ولكنني أحسو النبيذ من التمر
  حيا وتقا للَّه واللَّه عالم ... بكل الذي نأتيه في السّر والجهر(٥)
  ومثلك قد جرّبته وخبرته ... أبا مطر(٦) والحين(٧) أسبابه تجري
  حساها كمستدمى الغزال عتيقة ... إذا شعشعت بالماء طيّبة النّشر(٨)
  أقام عليها دهره كل ليلة ... يشافهها حتى يرى وضح الفجر
  / فأصبح ميتا ميتة الكلب صحكة ... لأصحابه حتى يدهده في القبر(٩)
  فما إن بكاه غير دنّ ومزهر ... وغانية كالبدر واضحة الثّغر
  وباطية كانت له خدن زنية(١٠) ... يعاقرها(١١) واللَّيل معتكر السّتر
  شعره في الرد على الأحنف وقد عاتبه على شربه الخمر
  : أخبرني عمّي، قال: حدّثنا الكرانيّ، قال: حدثنا العمري عن عاصم بن الحدثان، قال:
  عاتب الأحنف بن قيس حارثة بن بدر على معاقرة الشّراب وقال له: قد فضحت نفسك وأسقطت قدرك، وأوجعه عتابا. فقال له: إني سأعتبك(١٢). فانصرف(١٣) الأحنف طامعا في صلاحه، فلما أمسى راح إليه فقال له:
  اسمع يا أبا بحر(١٤) ما قلت لك. فقال: هات، فأنشده:
(١) س: «الحارث».
(٢) أ، ب: «على آخره».
(٣) التكملة من أ، ب. والطب، بفتح الطاء وتشديد الباء: الحاذق الماهر.
(٤) س: «واسقني».
(٥) البيت ساقط من أ، ب.
(٦) أبا مطر: كنية ابن ظبيان.
(٧) في أ، ب: «والخير».
(٨) مستدمى الغزال: دمه.
(٩) الضحكة: بضم فسكون: من يضحك عليه. ويدهده في القبر: يدحرج إليه.
(١٠) الباطية: ناجود الخمر. وخدن زينة، أي رفيق غيّ.
(١١) س: «يعاهرها».
(١٢) سأعتبك: سأقبل عتبك.
(١٣) أ، ب: «فأمسك وانصرف الأحنف».
(١٤) أبو بحر: كنية الأحنف.