نسبه وأخباره
  يذمّ أبو بحر أمورا يريدها ... ويكرهها للأريحيّ المسوّد
  فإن كنت عيّابا(١) فقل ما تريده ... ودع عنك شربي لست فيه بأوحد(٢)
  سأشربها صهباء كالمسك ريحها ... وأشربها في كل ناد ومشهد
  فنفسك فانصح يا بن قيس وخلَّني ... ورأيي فما رأيي برأي مفنّد(٣)
  وقائلة يا حار هل أنت ممسك ... عليك من التبذير قلت لها اقصدي
  ضو لا تأمريني بالسّداد فإنني ... رأيت الكثير المال غير مخلَّد
  ولا عيب لي إلَّا اصطباحي قهوة ... متى يمتزجها(٤) الماء في الكأس تزبد
  / معتّقة صهباء كالمسك ريحها ... إذا هي فاحت(٥) أذهبت غلَّة الصّدي
  ألا إنما الرّشد المبين طريقه ... خلاف الذي قد قلت إذ أنت مرشدي
  سأشربها ما حجّ للَّه راكب ... مجاهرة وحدي ومع كل مسعد
  وأسعد ندماني وأتبع شهوتي ... وأبذل عفوا كلّ ما ملكت يدي
  كذا العيش لا عيش ابن قيس وصحبه ... من الشّرب للماء القراح المصرّد(٦)
  فقال له الأحنف: حسبك، فإني أراك غير مقلع عن غيّك، ولن أعاتبك بعدها أبدا.
  قال عاصم: ثم كان بعد ذلك بن الأحنف وحارثة كلام وخصومة، فافترقا عن مجلسهما متغاضبين، فبلغ حارثة أن الأحنف قال: أما واللَّه لولا ما يعلم لقلت فيه ما هو أهله. فقال حارثة: وهل يقدر على أن يذمني بأكثر من الشراب وحبّي له؟ وذلك أمر لست أعتذر منه إلى أحد، ثم قال في ذلك:
  وكم لائم لي في الشراب زجرته ... فقلت له دعني وما «أنا شارب
  فلست عن الصهباء ما عشت مقصرا ... وإن لا مني فيها اللئام الأشائب(٧)
  أأترك لذّاتي وآتي هواكم ... ألا ليس مثلي يا بن قيس يخالب(٨)
  أنا الليث معدوّا عليه وعاديا ... إذا سلَّت البيض الرّقاق القواضب
  فأنت(٩) حليم تزجر الناس عن هوى ... نفوسهم جهلا وحلمك عازب
(١) أ: «عيارا».
(٢) أ، ب: «لست في ذا بأوحد».
(٣) المفند: المكذب.
(٤) أ، ب: «المرء».
(٥) ب: «هاجت». والبيت ساقط من أ.
(٦) القراح: الخالص لا يخالطه شيء. والمصرد: القليل دون الري.
(٧) الأشائب: جمع أشابه، وهم الأخلاط غير الصرحاء.
(٨) يخالب: يخدع.
(٩) أ، ب: «وأنت».