مسافر بن أبي عمرو بن أمية
  ثم عاد، فكان أوّل من لقيه أبو سفيان، فأعلمه بتزويجه من هند. فأخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثني عمر بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثني ابن أبي سلمة عن هشام، قال ابن عمّار وقد حدّثناه ابن أبي سعد عن عليّ بن الصبّاح عن هشام، قال ابن عمّار وحدّثنيه عليّ بن محمد بن سليمان النّوفليّ عن أبيه - دخل حديث بعضهم في بعض -:
  أنّ مسافر بن أبي عمرو بن أميّة كان من فتيان قريش جمالا وشعرا وسخاء. قالوا: فعشق هندا بنت عتبة بن ربيعة وعشقته، فأتّهم بها وحملت منه. قال بعض الرواة: فقال معروف بن خرّبوذ: فلما بان حملها أو كاد قالت له:
  اخرج، فخرج حتى أتى الحيرة، فأتى عمرو بن هند فكان ينادمه. وأقبل أبو سفيان بن حرب إلى الحيرة في بعض ما كان يأتيها، فلقي مسافرا، فسأله عن حال قريش والناس، فأخبره وقال له فيما يقول: وتزوّجت هندا بنت عتبة.
  فدخله من ذلك ما اعتلّ معه حتى استسقى(١) بطنه. قال ابن خرّبوذ: قال مسافر في ذلك:
  ألَّا إنّ هندا أصبحت منك محرما ... وأصبحت من أدنى حموّتها حما
  وأصبحت كالمقمور جفن سلاحه ... يقلَّب بالكفّين قوسا وأسهما
  فدعا له عمرو بن هند الأطبّاء، فقالوا: لا دواء له إلَّا الكيّ. فقال له: ما ترى؟ قال: افعل. فدعا له الذي يعالجه فأحمى مكاويه، فلما صارت كالنار قال: ادع / أقواما يمسكونه. فقال لهم مسافر: لست أحتاج إلى ذلك. فجعل يضع المكاوي عليه. فلما رأى صبره ضرط الطبيب، فقال مسافر:
  قد يضرط العير والمكواة في النار
  لما مات رثاه أبو طالب:
  - فجرت مثلا - فلم يزده إلَّا ثقلا. فخرج يريد مكة. فلما انتهى إلى موضع يقال له هبالة(٢) مات فدفن بها، ونعي إلى قريش. فقال أبو طالب بن عبد المطَّلب يرثيه:
  ليت شعري مسافر بن أبي عم ... رو وليت يقولها المحزون
  رجع الركب سالمين جميعا ... وخليلي في مرمس(٣) مدفون
  بورك الميّت الغريب كما بو ... رك نضر(٤) الرّيحان والزيتون
  بيت صدق على هبالة قدحا ... لت فياف من دونه وحزون
  / مدره يدفع الخصوم بأيد ... وبوجه يزينه العرنين
(١) استسقى بطنه: اجتمع فيه ماء أسفر. وهو المعروف بمرض الاستسقاء.
(٢) قال البكري في «معجم ما استعجم»: إن هبالة: موضع لبني عقيل. وقال ياقوت في كتابه «معجم البلدان» بعد كلام: وقال أبو زياد:
هبالة وهيبل من مياه بني نمير. ثم ذكر موت مسافر بن أبي عمرو بها ورثاه أبي طالب بن عبد المطلب له.
(٣) المرمس: القبر.
(٤) كذا في «معجم ياقوت»: وفي الأصول: «نضح الرمان». والنضح: «البلل. ولعله يعني به العصير.