كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

مسافر بن أبي عمرو بن أمية

صفحة 39 - الجزء 9

  خبر طلاق هند بنت عتبة من الفاكه بن المغيرة:

  فأمّا خبر هند وطلاق الفاكه بن المغيرة إيّاها، فأخبرني به أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثني ابن أبي سعد قال حدّثني أبو السّكين زكريّا بن يحيى بن عمرو بن حصن بن حميد بن حارثة الطائيّ قال حدّثني عمّي زحر⁣(⁣١) بن حصن عن جدّه حميد بن حارثة قال:

  كانت هند بنت عتبة عند الفاكه بن المغيرة، وكان الفاكه من فتيان قريش، وكان له بيت للضيافة بارز من البيوت يغشاه الناس من غير إذن. فخلا البيت ذات يوم، فاضطجع هو وهند فيه ثم نهض لبعض حاجته. وأقبل رجل ممّن كان يغشى البيت فولجه، فلما رآها رجع هاربا، وأبصره الفاكه فأقبل إليها فضربها برجله / وقال: من هذا الذي خرج من عندك!؟ قالت: ما رأيت أحدا ولا أنتبهت حتى أنبهتني. فقال لها: ارجعي إلى أمّك. وتكلَّم الناس فيها، وقال لها أبوها: يا بنيّة! إنّ الناس قد أكثروا فيك، فأنبئيني نبأك، فإن يكن الرجل عليك صادقا دسست عليه من يقتله فتنقطع عنك المقالة، وإن يك كذبا حاكمته إلى بعض كهّان اليمن. فقالت: لا واللَّه ما هو عليّ بصادق. فقال له: يا فاكه، إنك قد رميت بنتي بأمر عظيم، فحاكمني إلى بعض كهّان اليمن. فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم وخرج عتبة في جماعة من عبد مناف ومعهم هند ونسوة. فلمّا شارفوا البلاد وقالوا غدا نرد على الرجل تنكَّرت حال هند. فقال لها عتبة: إنّي أرى ما حلّ بك من تنكَّر الحال، وما ذاك إلَّا لمكروه عندك.

  قالت: لا واللَّه يا أبتاه ما ذاك لمكروه، ولكنّي أعرف أنكم تأتون بشرا يخطئ ويصيب، ولا آمنه أن يسمني ميسما يكون عليّ سبّة. فقال / لها: إني سوف أختبره لك، فصفر بفرسه حتى أدلى⁣(⁣٢)، ثم أدخل في إحليله حبّة برّ وأوكأ عليها بسير. فلما أصبحوا قدموا على الرجل فأكرمهم ونحر لهم. فلما قعدوا قال له عتبة: جئناك في أمر وقد خبأت لك خبئا أختبرك به فانظر ما هو؟ قال: ثمرة في كمرة⁣(⁣٣). قال: إني أريد أبين من هذا. قال: حبّة برّ في إحليل مهر. قال: صدقت، أنظر في أمر هؤلاء النسوة. فجعل يدنو من إحداهن فيضرب بيده على كتفها ويقول: انهضي، حتى دنا من هند فقال لها: انهضي غير رسحاء⁣(⁣٤) ولا زانية، ولتلدنّ ملكا يقال له معاوية. فنهض إليها الفاكه فأخذ بيدها، فنثرت يدها من يده وقالت: إليك عنّي! فو اللَّه لأحرص أن يكون ذلك من غيرك، فتزوجها أبو سفيان.

  وقد قيل: إنّ بيتي مسافر بن أبي عمرو أعني:

  ألا إنّ هندا أصبحت منك محرما

  لابن عجلان⁣(⁣٥).

  أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني عبد اللَّه بن عليّ بن الحسن عن أبي نصر عن الأصمعيّ عن عبد اللَّه بن أبي سلمة عن أيّوب عن ابن سيرين قال:


(١) في الأصول: «أبو زحر» وهو خطأ. (راجع شرح «القاموس» مادة زحر).

(٢) أدلى الفرس وغيره: أخرج جرذانه ليبول أو يضرب.

(٣) الكمرة: رأس الذكر.

(٤) الرسح: خفة العجيزة ولصوقها.

(٥) هو عبد اللَّه بن العجلان بن عبد الأحب بن عامر بن كعب، شاعر جاهلي وهو أحد المتيمين من الشعراء ومن قتله الحب منهم. وكان له زوجة يقال لها هند فطلقها ثم ندم على ذلك، فتزوجت زوجا غيره فمات أسفا عليها. (انظر ترجمته في «الأغاني» ج ١٩ ص ١٠٢ طبعة بولاق).