كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر عمارة بن الوليد والسبب الذي من أجله سحر

صفحة 42 - الجزء 9

  يسلم بحيرا فسمّاه رسول اللَّه عبد اللَّه - فرصده على ماء بأرض الحبشة، وكان يرده مع الوحش، فورد، فلما وجد ريح الإنس هرب، حتّى إذا أجهده العطش ورد فشرب حتى تملأ⁣(⁣١)، وخرجوا في طلبه. فقال عبد اللَّه بن أبي ربيعة:

  فسعيت إليه فالتزمته، فجعل يقول لي: يا بحير أرسلني! يا بحير أرسلني! إني أموت إن أمسكتموني. قال عبد اللَّه:

  وضغطته⁣(⁣٢) فمات في يدي مكانه. فواراه ثم انصرف. وكان شعره قد غطَّى على كل شيء منه.

  قال الواقديّ عن ابن أبي الزّناد: وقال عمرو لعمارة: يا فائد، إن كنت تحبّ أن أصدّقك بهذا أو أقبله منك فأتني بثوبين أصفرين. فلمّا رأى النجاشيّ الثوبين قال له عمرو: أتعرف الثوبين؟ قال نعم.

  وقال الواقديّ عن ابن أبي الزّناد عن أبيه، قال النجاشيّ لعمارة: إنّي أكره أن أقتل قرشيّا، ولو قتلت قرشيّا لقتلتك، فدعا بالسواحر.

  شعر عمرو بن العاص في عمارة:

  فقال عمرو بن العاص يذكر عمارة وما صنع به - قال الواقديّ أخبرني ابن أبي الزّناد أنه سمع ذلك من ابن ابنه عمرو بن شعيب بن عبد اللَّه بن عمرو يذكره لحدّه -:

  /

  تعلَّم عمار أنّ من شرّ شيمة ... لمثلك أن يدعى ابن عمّ له ابنما

  وإن كنت ذا بردين أحوى مرجّلا ... فلست براع⁣(⁣٣) لابن عمّك محرما

  إذا المرء لم يترك طعاما يحبّه ... ولم ينه قلبا غاويا حيث يمّما

  قضى وطرا منه يسيرا وأصبحت ... إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما

  فليس الفتى ولو أتمّت⁣(⁣٤) عروقه ... بذي كرم إلَّا بأن يتكرّما

  صحبت من الأمر الرفيق طريقه ... وولَّيت غيّ الأمر من قد تلوّما

  من الآن فانزع عن مطاعم جمّة ... وعالج أمور المجد لا تتندّما

  شعر خولة بنت ثابت في عمارة:

  قال إسحاق وحدّثني الأصمعيّ: أنّ خولة بنت ثابت أخت حسّان قالت في عمارة لمّا سحر:

  يا ليلتي⁣(⁣٥) لم أنم ولم أكد ... أقطعها بالبكاء والسّهد

  أبكي على فتية رزئتهم ... كانوا جبالي فأوهنوا عضدي

  كانوا جمالي ونصرتي وبهم ... أمنع ضيمي وكلّ مضطهد

  فبعدهم أرقب النجوم وإذ ... ري الدمع والحزن والج كبدي


(١) كذا في «تجريد الأغاني». وتملأ الرجل من الطعام والشراب: امتلأ. وفي الأصول: «ملأ».

(٢) كذا في أ، م وفي سائر الأصول: «وضبطته».

(٣) كذا في «تجريد الأغاني». وفي الأصول: «براء».

(٤) أتمت عروقه: بلغت تمامها في الكرم.

(٥) في الأصول: «يا ليتني» وهو تحريف.