كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر امرئ القيس ونسبه وأخباره

صفحة 68 - الجزء 9

  بمثلك من أهل الشرف، وقد كدت بالأمس تؤكل في دار طيّئ، وأهل البادية أهل برّ لا أهل حصون تمنعهم، وبينك وبين أهل اليمن ذؤبان من قيس، أفلا أدلَّك على بلد! فقد جئت قيصر وجئت النّعمان فلم أر لضيف نازل ولا لمجتد مثله ولا مثل صاحبه. قال: من هو وأين منزله؟ قال: السّموءل بتيماء، وسوف أضرب لك مثله، هو يمنع ضعفك حتى ترى ذات عيبك، وهو في حصن حصين وحسب كبير. فقال له امرؤ القيس / وكيف لي به؟ قال: أوصلك إلى من يوصلك إليه؛ فصحبه إلى رجل من بني فزارة يقال له الرّبيع⁣(⁣١) بن ضبع الفزاري ممن يأتي السموءل فيحمله ويعطيه. فلمّا صار إليه قال له الفزاريّ: إنّ السموءل يعجبه الشعر. فتعال نتناشد له أشعارا. فقال امرؤ القيس: قل حتى أقول. فقال الربيع:

  قل للمنيّة أيّ حين نلتقي ... بفناء بيتك في الحضيض المزلق

  وهي طويلة يقول فيها:

  ولقد أتيت بني المصاص مفاخرا ... وإلى السموءل زرته بالأبلق

  فأتيت أفضل من تحمّل حاجة ... إن جئته في غارم أو مرهق

  عرفت له الأقوام كلّ فضيلة ... وحوى المكارم سابقا لم يسبق

  قال: فقال امرؤ القيس:

  طرقتك هند بعد طول تجنّب ... وهنا ولم تك قبل ذلك تطرق

  وهي قصيدة طويلة، وأظنّها منحولة لأنها لا تشاكل كلام امرئ القيس، والتوليد فيها بيّن، وما دوّنها في «ديوانه» أحد من الثّقات؛ وأحسبها مما صنعه دارم لأنه من ولد السموءل ومما صنعه من روى عنه من ذلك فلم تكتب هنا⁣(⁣٢).

  قال فوفد الفزاريّ بامرئ القيس إليه. فلما كانوا ببعض الطريق إذا هم ببقرة وحشية مرميّة. فلما نظر إليها أصحابه قاموا فذكَّوها. فبينما هم كذلك إذا هم بقوم قنّاصين من بني ثعل⁣(⁣٣). فقالوا لهم: من أنتم؟ / فانتسبوا لهم، وإذا هم من جيران السموءل فانصرفوا جميعا. وقال امرؤ القيس:

  /

  ربّ رام من بني ثعل ... مخرج كفّيه من قتره⁣(⁣٤)

  عارض زوراء من نشم ... مع باناة على وتره⁣(⁣٥)

  - هكذا في رواية ابن دارم. ويروى «غير باناة» و «تحت باناة» -


(١) في «المشتبه» أنه اختلف فيه هل هو بفتح الراء أو ضمها.

(٢) وردت هذه الجملة هكذا في الأصول. ولعل صوابها «أو مما صنعه من روى عنه فلم تكتب هنا».

(٣) ثعل: قبيلة من طيّئ.

(٤) القتر: جمع قترة وهي بيت الصائد الذي يكمن فيه للوحش لئلا تراه فتنفر منه.

(٥) يقال: عرض الرامي القوس عرضا إذا أضجعها ثم رمى عنها. وزوراء: معوجة. والنشم: شجر تتخذ منه القسي. والرواية التي كتب عنها الشراح هي رواية «غير باناة» والباناة لغة طيّئ في البانية كما يقولون في ناصية ناصاة وفي قارية قاراة. والبانية من القسي: التي لصق وترها بكبدها حتى كاد ينقطع وترها في بطنها من لصوقه بها، وهو عيب. و «على» بمعنى «عن» أي غير بانية عن الوتر. وعلى هذا الوجه يكون «غير» بنصب الراء صفة لزوراء. ويجوز أن يكون بكسر الراء على أنه من صفة الرامي، يقال رجل باناة وهو الذي ينحني صلبه إذا رمى فيذهب سهمه على وجه الأرض، وعلى هذا تكون «على» هنا في موضعها.