كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر امرئ القيس ونسبه وأخباره

صفحة 69 - الجزء 9

  إذ أتته الوحش واردة ... فتثنّى النزع في يسره⁣(⁣١)

  فرماها في فرائصها ... بإزاء الحوض أو عقره⁣(⁣٢)

  برهيش⁣(⁣٣) من كنانته ... كتلظَّي الجمر في شرره

  / راشه من ريش ناهضة ... ثم أمهاه على حجره⁣(⁣٤)

  فهو لا تنمي رميّته⁣(⁣٥) ... ما له لا عدّ من نفره

  طلب إلى السموءل أن يكتب له إلى الحارث ليوصله إلى قيصر:

  قال: ثم مضى القوم حتى قدموا على السّموءل، فأنشده الشعر، وعرف لهم حقّهم، فأنزل المرأة في قبّة أدم وأنزل القوم في مجلس له براح؛ فكان عنده ما شاء اللَّه. ثم إنه طلب إليه أن يكتب له إلى الحارث بن أبي شمر الغسّانيّ بالشأم ليوصله إلى قيصر؛ فاستنجد له رجلا، واستودع⁣(⁣٦) عنده المرأة والأدراع والمال، وأقام معها يزيد بن معاوية بن الحارث ابن عمّه. فمضى حتى انتهى إلى قيصر؛ فقبله وأكرمه وكانت له عنده منزلة.

  لما وصل إلى قيصر دس له عنده الطماح حتى سمه بحلة خلعها عليه:

  فاندسّ رجل من بني أسد يقال له الطمّاح، وكان امرؤ القيس قد قتل أخا له من بني أسد، حتى أتى إلى بلاد الروم فأقام مستخفيا. ثم إن قيصر ضمّ إليه جيشا كثيفا وفيهم جماعة من أبناء الملوك. فلما فصل قال لقيصر قوم من أصحابه: إن العرب قوم غدر ولا تأمن أن يظفر بما يريد ثم يغزوك بمن بعثت معه. وقال ابن الكلبيّ: بل قال له الطمّاح: إنّ امرأ القيس غويّ عاهر وإنه لمّا انصرف عنك بالجيش ذكر أنه كان يراسل ابنتك ويواصلها، وهو قائل


(١) واردة: عطاشا. وتثنى: انعطف. ويروى: «فتنحى» و «فتمتى» أي تمطى ومعناه: مدّ ونزع. والنزع الرمي عن القوس. وفي يسره - كما في «شرح ديوانه»، رواية أبي سهل (نسخة مخطوطة محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم ١٣ أدب ش) - أي في يسر السهم للرمي. قال أبو سهل: يقول القوس في يساره فإذا اشتدّ يساره تابع مدّه فنفذ السهم أجود وإلا لم ينفذ جيدا. وفي «اللسان» (مادة يسر) عن الجوهري أن اليسرة بالتحريك أسرار الكف (خطوطها) إذا كانت غير ملتزقة وهي تستحب. قال شمر: ويقال في فلان يسر؛ وأنشد:

فتمتى النزع في يسره

قال: هكذا روى عن الأصمعي وفسره حيال وجهه. ويروى: «في يسره» بضم الياء وفتح السين جمعا ليسرى، ويروى «في يسره» بضمتين جمعا ليسار.

(٢) الفرائص: جمع فريصة وهي التي ترعد من الدابة عند مرجع الكتف تتصل بالفؤاد. وإزاء الحوض: مصب الماء فيه. وعقره: موضع الشاربة، يريد أن هذا الرامي حاذق خبير بالرمي لا يرميها إلا في مقتل. وخص إزاء الحوض أو عقره لأنه مكان تأمن فيه وتطمئن إليه، فهو أمكن له فيما يريد منها.

(٣) الرهيش: السهم الضامر الخفيف.

(٤) الناهض الذي وفر جناحه ونهض للطيران. وأدخل الهاء في ناهضة للمبالغة أو لأنه أراد الأنثى، كما يقال صقر وصقرة. قال أبو بكر: وخص ريش النواهض لأن ريشها ألين وأطول وريش المسان لا خير فيه. أمهاه: أرقه. وقال أبو عبيدة: أمهاه: سقاه الماء.

(٥) أي لا ترتفع من مكانها الذي أصابها فيه السهم لحذق الرامي؛ يقال: أنميت الصيد فنمى ينمي وذلك أن ترميه فتصيبه ويذهب عنك فيموت بعد ما يغيب. ومعنى لا عد من نفره: أماته اللَّه فلا يعد من قومه، والمراد التعجب منه، كما يقال: قاتله اللَّه في موضع المدح والتعجب.

(٦) في ج: «واستودعه».