ترجمة أبي الفرج الأصفهاني مؤلف كتاب الأغاني
  كالجلَّنارة(١) أو صفاء عقيقة ... أو لمع نار أو وميض بروق
  أو قهوة(٢) تختال في بلَّورة ... بتألَّق الترويق(٣) والتصفيق(٤)
  وكأنّ سالفتيك(٥) تبر سائل ... وعلى المفارق(٦) منك تاج عقيق
  وكأنّ مجرى الصوت منك إذا نبت ... وجفت عن الأسماع بحّ(٧) حلوق،
  ناي(٨) دقيق ناعم قرنت به ... نغم مؤلَّفة من الموسيقى
  ومنها:
  أبكي إذا أبصرت ربعك موحشا ... بتحنّن وتأسّف وشهيق
  ويزيدني جزعا لفقدك صادح(٩) ... في منزل دان إليّ لصيق
  قرع(١٠) الفؤاد وقد زقا فكأنّه ... نادى ببين أو نعيّ شقيق
  فتأسّفي أبدا عليك مواصل ... بسواد ليل أو بياض شروق
  وإذا أفاق ذوو المصائب سلوة ... وتصبّروا أمسيت غير مفيق
  قال أبو الفرج: كنت انحدرت إلى البصرة، ولمّا وردتها أصعدت إلى سكَّة قريش أطلب منزلا أسكنه؛ لأني كنت غريبا لا أعرف أحدا من أهلها إلا من كنت أسمع بذكره، فاستأجرت بيتا في خان، وأقمت في البصرة أياما ثم خرجت عنها طالبا حصن مهدي؛ وكتبت هذه الأبيات على حائط البيت الذي أسكنه:
  الحمد للَّه على ما أرى ... من صنعتي من بين هذا الورى
  أصارني الدهر إلى حالة ... يعدم فيها الضيف عندي القرى
  بدّلت من بعد الغنى حاحة ... إلى كلاب يلبسون الفرا(١١)
  أصبح أدم السّوق لي مأكلا ... وصار خبز البيت خبز الشّرا
  وبعد ملكي منزلا مبهجا ... سكنت بيتا من بيوت الكرا
  فكيف ألفي لاهيا ضاحكا ... وكيف أحظى بلذيذ الكرى
(١) الجلنار: زهر الرمان، معرّب كلنار.
(٢) القهوة: الخمر.
(٣) الترويق: التصفية.
(٤) التصفيق يقال: صفق فلان الشراب إذا حوّله من إناء إلى إناء ليصفو.
(٥) السالفتان: صفحتا العنق.
(٦) المفارق: جمع مفرق، وأصله وسط الرأس الذي يفرق فيه الشعر. والمراد هنا أعالي الرأس.
(٧) بح: جمع أبح من البحة وهي خشونة وغلظ في الصوت.
(٨) الناي: من آلات اللهو أعجمي معرّب، وعربيه رمخر ومزمار.
(٩) صادح: وصف، من قولهم: صدح الديك أي رفع صوته.
(١٠) قرع الفؤاد: فجأه.
(١١) الفرا: مقصور الفراء جمع فروة، وهي جلود حيوان تدبغ وتخاط وتبطن بها الثياب فتلبس اتقاء البرد.